اسقني ماء الشعر!

Views: 802

أنطوان يزبك

 

لا حلول للأزمات من دون العلم والتربية والأدب الحقيقي الأصيل. حفظ الأبيات الشعرية وقراءة أمّهات الكتب ينشئ أجيالا ويعمّر الأوطان والأمم.

في الماضي الذي إليه ترحل كل يوم مشاعر الحنين والنوستالجيا، كانت الأمثال وأبيات الشعر تُوظَّف لتعليم التلاميذ، فكان التفوق وبناء متعلّمين مجلّين في العلوم ومكارم الأخلاق والشجاعة والمروءة وعزّة النفس وإدراك أسرار الحياة وبواطنها.

هذه الطرائق العلميّة خرّجت أجيالا من المثقفين أحرزوا نجاحات في دنيا الفكر والتدريس والمحاماة والطب وغيرها… إذ أدرك المربون أن الحفظ غيبًا وترداد الأبيات، عكس الاعتقاد السائد أن الحفظ غيبًا غير مفيد، يدرّبان العقل والذاكرة، ويدخلان في لاوعي المتعلّم ويستجلبان قدرات تبرز فضائل العقل وقدراته، فيصبح متفوّقًا، قادرًا على القيام بأعمال خارقة.

 

 

لمن لا يعلم، للشعر قدرة  خارقة في تهذيب الأخلاق وشفاء النفس  من أدرانها والحث على سلوك درب الصلاح والأخلاق الحميدة، وفي الشعر حماسة ترتقي بالمتعلّم وتجعله يحارب ما في نفسه من كسل وملل ورذائل وأسقام وعلل وعيوب!

في أواسط خمسينيات القرن الماضي ظهر “مجاني الأدب في حدائق العرب” لمؤلفه رزق الله  بن يوسف بن عبد المسيح بن يعقوب شيخو، وهو موسوعة من أجزاء عدة تشمل المعارف على اختلافها، من الأمثال والنصائح والأبيات الشعرية… إضافة إلى الدين والإيمان والتاريخ وقصص الأولين والأنبياء والرسل، يصحّ القول فيه: “دراسات وافية في علوم البشر”. 

عنترة بن شداد

 

إذا أردنا أن نتناول كل ما ورد في هذا “الدرّ الثمين”، فسنحتاج إلى موسوعة رديفة،  بل موسوعات لشرح أهمية هذا الإنجاز الجبّار، لذلك نكتفي بذكر بعض الأبيات المفيدة، إذا تأملناها اليوم نجد فيها فائدة عظيمة ومعرفة عالية:

لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ

بَل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ

ماءُ الحَياةِ بِذِلَّةٍ كَجَهَنَّمٍ

وَجَهَنَّمٌ بِالعِزِّ أَطيَبُ مَنزِلِ

                             عنترة

 

الإمام الشافعي

 

ﻗﺪ ﻣﺎﺕ ﻗﻮﻡ ﻭﻣﺎ ﻣــﺎﺗﺖ ﻓﻀﺎﺋﻠﻬﻢ

وﻋﺎﺵ ﻗﻮﻡ ﻭﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻣﻮﺍﺕُ

                             الشافعي

 

أبو فراس الحمداني

 

بِمَن يَثِقُ الإِنسانُ فيما يَنوبُهُ

وَمِن أَينَ لِلحُرِّ الكَريمِ صِحابُ

وَقَد صارَ هَذا الناسُ إِلّا أَقَلَّهُم

ذِئاباً عَلى أَجسادِهِنَّ ثِيابُ

                       أبو فراس الحمداني

 

المتنبي

 

في هذه الأبيات عِبر تصيب وضعنا المزري مقتلا، وها هو المتنبي شاعر البلاط يتمرّد على البلاط إذ يقول:

ودهر ناسه ناس صغار

وإن كانت لهم جثث ضخامُ

وكم صغر الناس في وطني، والويل لمن لم يقرأ ويتأدب ويتنوّر من حكمة الأسلاف!

ختامًا هذه الأبيات للشاعر والأديب الفذ نقولا رزق الله  ما لم نتعلم منها عبرة، فعلى الدنيا السلام:

إذا التعصب نادى القوم واجتمعوا

يوما وأيقظ فيهم نائم الفتن

أفنوا خيارهم قتلا وتهلكة

وصيروا الجهل فوق الدين والوطن..

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *