د. ربى سابا حبيب قارئة “أُكتبني… حين أحببتني” لـ د. سحر حيدر: صراخ داخلي ينادي الحضور والغياب

Views: 451

د. ربى سابا حبيب

يتبدى العالم إذ يتأمله الانسان المرهف عن عوالم القدسية في كيانه، وفي وجوده وفي أحلامه. حتى الأمل الذي يتخطى الواقع المرّ الذي يدنو إليه ليس هو من باب الوهم أو صنوِ الخيال بل هو في نفس الشاعرة قيمة مضافة تسند الحياة ترفق بالأنا الحزينة لتشدها صوب الأنا العليا وترافق السعي الدؤوب.

حين نتناول كتاب د. سحر حيدر ونتأمل في صفحاته نرى:

أولًا: كيف ينكشف الماوراء عن غير المنتهي أو عن المتجاوز أو المتعالي.

ثانيًا: يغدو التسامي صفةً متلازمةً للكتابة التي تلغي الفروقَ والمسافات والمستحيل حينها تتنظر الأرض أمًا وطريق انتماءٍ كوني…

ثالثًا: لقد نزلت في هذه الكتابة قوى مرتبطة بالحب وبالخصوبة وبالجنس حيث المرأة إلهة بلا منازع تنعم بوظائف خفية وكونية: منها الولادة والموت في جدلية متكاملة غير متعارضة أي ثنائية الحبّ واستحالة اللقاء، أكاد أقول جدلية الحب والموت.

رابعًا: رمزية شاعرية واحدة تتخلل هذا الكتاب، كتاب سحر حيدر، في مراحل تكونه، أو تكون هذه الرمزية الأولى المرتكزة إلى ثنائية البقاء ضد النسيان. والكتابة المرتبكة ضد الاستحالة، استحالة اللقاء أو الوصول. هذه هي الإشارة الدالة.

د. ربى سابا حبيب

 

خامسًا: ما سرُّ كتابة سحر حيدر؟

وكيف تتحقق إعادة تشكيل الانسان الرمزية في نصوصها؟؟ وكيف تتوافق مع أحلامها ومع تجربتها الحيّة؟ ففي الموت تقول “يقتحم وحدتنا، يباغتها وينقل من نحب بلا حقائب، من غير استعداد، ربما إلا من عرف به قبل أن يدخل الموت، ذاكَ الذي لا صوت له. ص 104

سادسًا: الكون في تجربة د. سحر نبيه حيدر كصخرةِ سيزيف أي سلسلة من العوائق المقفلة والمتوالدة معًا… فيأتي التأليف نفيًا لإخفاق يمثل الوصول إلى الولادة المعجزة.

سابعًا: إن امتداد الإرث الذكوري داخل هذا الكتاب عطَّل الثورة وبتنا بحاجة إلى نار الرفض؛ يا د. سحر

لماذا أكتب في هذه النصوص؟

لأنني أحب سحر حيدر وأعرف كيف ألج مكنونات نصها وكنت ابتدعت نظرية التعاطف مع الكاتب ونصه منذ زمن في التعليم الجامعي. في الصفحة الأولى من الكوميديا الإلهية لدانتي نقرأ: رأيت في أروقة الجحيم بشرًا لا يعيشون ولا يموتون. لكن سحر حيدر ليست هيولى، أو معنى بالكاد يلامس التراب، أو ترف وجود كالملائكة في السحاب، هي كائن من عَصبٍ ومن براءة وتصطاد غزالات القلب ضد العنف على الذات وأرى أنها قريبة من معاني الفداء في الطقس المسيحي.

فهي أي هذه الكتابة خلاص من العنف والكاتبة إمرأةٌ مجبولة باللطف والحنان والبراءة…

تتخذ د. سحر حيدر الكون مرآة حقيقية لها.

المخاطب الأخ- الحبيب فالغائب الغالي موجود دائمًا والكتابة هنا محاولةُ لقاء الذات بذاتها…

هل هذا سعي نحو الوحدة؟ أم انعكاس الألق الهارب والحب المفقود؟

فالموت المخيم كالقدر على صفحات هذا الكتاب هو عند الكاتبة نوم لا علاقة تضاد مع الحياة أو بين حدين: الزوال والوجود.

لذا تأتي اللهجة الغنائية الجزينة لتُضفي على الكتاب طابع الشجن المحبب الشفيف… والكتابة هنا تأمل في الموت  ورضوخ له.. انها لمقولات ضرورية واساسية وكافية للأبد.

د. سحر حيدر

 

الأسلوب مبتكر في الاعتناء بالمفردات مثلًا:” ران النعاسُ في عيوننا الجافة” ص 15

فهي تولي أهمية لانتقاء العبارة التي تستجيب للايقاع النفسي: حالة وجع، جرح دفين، ألم ثلم عميق، عمل إبداعي. ففي إشكالية الحياة والموت يغدو الرحيل مفتاحًا للعبة الاسلوبية، فلقد تواترت كلمة “رحيل” عشرين مرة ص 110، كالمطرقة تدق أبواب الكون cosmos علّها تجد الأمَّ في هذا الفضاء الفسيح، فالاقنومان يترافقان في الكتاب ويؤكدان على أن الذات العاكسة في البعدين الزماني والمكاني تتقلص في مدارات الزوال…

فالكاتبة تنتقل من الأرضي الدنيوي إلى النوراني من اللاحركة إلى رجع الصدى إلى الصمت.

فبعدَ الشجن والحزن الشفيف ستأتينا بالكشف الروحاني لأن د. سحر حيدر معطاء، لن تكلّ عن الكتابة والتعبير…

لا تقف متفرجة أمام الوجود، بل هي تتفاعل مع العناصر ومع كافة الأقانيم كالفرح والحزن والشوق والكتابة عندها كالصراخ الداخلي الذي ينادي الحضور والغياب. واللغة هنا اتصال وفعلُ وجودٍ وتفاعل… أوليس الزوال مستقبل الوردة؟ أوليست التحولات سمة الوجود في حدوث التفسير والوحدة؟

هل تبحث الكاتبة عن الحقيقة؟

هل ترفض الواقع الأليم وتجيب على مقولة Heidegger أن الرفض أو الهدم” هو لحظة بناء جديد” “La destruction est un moment de toute nouvelle foundation” Paul Ricoeu

الرفض يؤدي إلى الإحساس بالنفي والغربة، لكن سحر حيدر تصف الثابت عن طريق الحنين والشوق إلى زمن غائب.

علها تأتينا في يوم جديد بالمتحول! وفي لحظة معاينة المطلق، هذه اللحظة هي تلاقي الانسان مع ذاته الغائبة ، هي لحظة الشعر أي لحظة الدهشة- المفاجئة- الهزّة، لحظة…

د. سحر حيدر أكملي… فنحن بحاجةٍ إلى كتب موغلة في النأي بنا عن كلّ رتيب ومألوف…

كتبٌ مثل الفؤوس تكسر البحر المتجمّد في ذواتنا. هذا ما كتبهُ كافكا لصديقه أوسكار بولاك.

16/ 7/ 2022

***

* القيت في الندوة حول كتاب د. سحر حيدر “أُكتبني… حين أحببتني” (منشورات منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثقافي) في الجامعة الأنطونية  النبي أيلا-البقاع، بدعوة من “جمعية عدل ورحمة” و”الجمعية اللبنانية للتعايش والإنماء”.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *