“رُباعیّة بیروت”… لا غِنَى عَنْكِ

Views: 640

“رُباعیّة بیروت”  أناشید لفارس الحَرَموني المهجري نُظمت بین 2014 و2019، وكان الكتاب ماثـِلاً للطباعة قُبيل التفجير البربري لبيروت. صدر عن دار نلسن في بيروت.

يعود ريع الكتاب لمساعدة المتضررين من تفجير بيروت من خلال مؤسسة:

LIFE Humanitarian Relief Effort. Life Generation.

Website https://lifelebanon.org

 

فارس الحَرَموني المهجري

 

لا غِنَى عَنْكِ

لا غِنَى إلاّ بأنَّكِ أنْتِ  

فاتِنةُ التَّاريخِ وحاضِنَةُ فُتُوَّتي

مِنكِ الأشرِعَةُ والحُروفُ مِن شاطِئِك

 

ونَبيذُ الكَرْمَةِ وزيتُ الزَّيتونْ

والآلهةُ الذُكورُ والإناثْ

والغارُ والرِّيحانُ والبَيلَسانْ

عِشْتارُ، أدونيس والتَّلاميذْ

وخَشَبُ الأَرزِ والسِنْديان لِبِناءِ الهَياكِلْ

حَلِمَتْ بكِ المَلِكاتُ تاجاً على الهَامَةِ

وغادَروا المَكانَ حَزانى، حَاسِرينَ

لأَنَّهُم لم يَسْكُنوكِ

 

شَيَّدَ الأَباطِرةُ ساحاتِهِمْ والأَعْمِدةْ

ونَسَمَتْ كَلِماتُ الرُّسُلِ عَلَيْكِ

فَوسَمَتْكِ 

قَسَا عَليْكِ المَمَاليكُ والسَّلاطينْ

 

وصَبَرْتِ على الغَزْوِ والزَّلازِلْ

كُلُّهُم راحوا مَع صَدَى الرّيحْ 

عَلى جَنْبِ الطَّريقِ لمْ يَترُكوا سِوَى أَحرُفٍ 

سِوَى أَبجَدِيَّةٍ صُغْرى

 

عَلى صَخرَةِ نَهرِ الكَلبْ 

وَهَا أنتِ ما زِلتِ أنتِ

شَهْرَزادُ

كُلَّ صَباحٍ حِكايَةٌ بَديعَةْ

 

لِشَهْرَياراتِ الشَّرقِ مِن حَوالَيكِ

عَصَيتِ عِصْيانَكِ على الأنبِياءِ  والرُّسُلْ

ابْراهيمُ بَينَ النَّهْرَينِ كَتَبْ

وَيَسوعُ الجَليليُّ الأعْلَى اقْتَرَبْ

 

وخَاتِمَتُهُمْ، في تِلكَ المَدينةِ ابْتعَدْ

يَحومونَ حَوالَيْكِ، يَشتَهونَ القُرْبَى

وَلا يَدْخُلونَ، رُبَّما احْتِراماً لِمَشيئَتِكِ

أَوْ إجْلالاً لأنَّها مَريَمُ في رِحابِكِ

 

إنْبَلِجي وتَجَلّي

تَجَمَّلي وتَبَرَّجي

تَبَاهِي واسْتَنيري

يا عَروسَ البُحورِ والسَّفَرْ

 

اسْتَوْلِدي رَقَائِقَ الأعْماقْ 

مَاضي الزَّمانْ ومَسارِحَ الإنْسانْ

تَعَنَّدي، تَفَرَّدي، تَألَّقي

واسْتَنيري

 

لا الفُرْسُ لا عُثْمانْ

لا تَيْمورُ أَو قَلبُ الأسَدْ

لا سلالاتُ قُرْصانْ 

وَلا مَماليكُ سلطانْ

 

أنتِ أنتِ الحَيَاةُ والمَوَدَّة

أنتِ المِثالُ واليَقَظَة

عَروسَةُ التَّاريخِ والأَزْمانْ

عِشْتُكِ فَتًى، لُعْبَتي أَزِقَّتُكِ

 

 

عايَنتُكِ،عانَيتُكِ ومَشَيتُكِ

عَلَّمْتِني فَأَغنَيتِني 

ساحَةْ البُرْجْ، الجِمَّيزِةْ وَعَيْنْ المْرَيْسَةْ

المَعْرَضْ والطَّويلَةْ، سُرْسُقْ والنُوريِّةْ

 

سوقْ السّمّكْ، الرّيفولي والتياترو

فلافلْ فْريْحَةْ، بَنْ عازار وتَمْرِ الهِندْ 

وَعَصيرُ السُّوسِ والبُرْتُقالِ وَالجَزَرْ

والأسْواقُ المُكتَـنِزَةُ بِحاجاتِ البَشَرْ

 

قَهْوَةْ “الأْزَاز” وَالحاجْ دَاوودْ

وَنافورَةْ بَيّاعِ السَّحْلَبْ وَالجَلاّبْ

مَطْعَمْ العَجَمِي وَشَمُّ المَشاوي

والتَّأمُّلُ عَنْ بُعْدْ الطَرابيشَ الحُمْر

 

 

أَعْيانَ السَّاسَةِ وَالوَجَاهَةْ والسانْ جورجْ

أزهار سوقْ الفرَنجْ وأُورُوزدي بَيْكْ

وادي بوجْمِيلْ، العازارية وبابْ أدْريسْ

المْصَيْطبةْ وَزِقاقْ البْلاطْ والسّرايْ

 

مدرَسَةْ الإِنْكليزْ ورمْل الظَريف والإنْجيليَّةْ

جْنَينَةْ الصَّنايِعْ، القنطاري وَالهايكازْيانْ

الأشرفيةْ، الرّاعي الصَّالِحْ وَسَاسِينْ

كُلِّيةْ بيروت لِلْبَناتْ وَالإيكولْ فْرانْسيزْ

مَدرَسَةْ الأَميرْكانْ والطِليانْ

شارِعْ الْحَمْرَا وَمَقَاهي الرَّوْشَةْ

الْهُورسْ شُو وَبيكادِلّلي فَيرُوزْ‏

وشَجَرُ الجُمَّيزْ والصُّبَّيرْ وَالزَّنزَلَختِ

 

ومِن شَوَارِعِكِ وسَاحَاتِكِ

والكورنيش والتْراموايْ

وحَدَائِقِ الرَّيحَانْ وَاللَّيمُونْ

ونَسَمَاتِ الفِّلْ وَدَوالِي اليَاسَمِينْ

 

إِلَى جَامِعَةِ بْلِسْ وَفَانْ دَايْكْ‏

فِي حُضْنِ أهْلِ رَاسْ بيروت

مَطْعَمْ فَيْصَلْ لِأَغْنِيَاءِ الْعُرُوبَةْ

وصَابِرْ مَلِكُ الْفَلَاَفِلْ لِلفُقَرَاءِ التَّلاَمِذَةْ

 

ولَهُم غِنَى الجُهْدِ والذَكاءْ

ومَطعَمْ أَنكِلْ سَامْ لِلْأميرْكانْ

ومَنارَةُ الشَّوَاطِئِ وسِحْرُ الغُروبْ

ولَمَعَانُ المَوجِ والآفَاقُ التَّاليةْ

 

وبَحرُكِ يُنَادِي ذَاكَ الفَتَى كُلَّ يَومْ

عَايَشتُ مَجيءَ أَهْلِكِ من الجِبَالْ والسُّهولْ

وبَينَهُمْ أَهْلي، إِلَى وُسْعِ حِضْنِكِ

تَألَّمْتُ حِينَ لُجُوءِ الجَنُوبِ إليكِ

 

كِبْرِيَاءُ فَلَذَّاتِهِمْ جُذوراً وَراءَهُم

يَحرِسونَ التُّرابَ في البَساتينِ والحُقولْ‏

يَحْمونَ الأرْضَ ولَا يَبِيعُونَ المُهْجَةْ

بَلْ يَغْسِلُونَ قَامَتَها مِن غَدْرٍ وغَزْوٍ

 

ويُطَهِّرُونَ المَدَى بِالنَّزْفِ المُلْهَمِ بِالدَّمْ

وأخضَرِ الزَّيتونِ والزَّيْزَفونْ

كُلُّهُمْ، احْتَمُوا بِكِ طَوالَ الْوَقتِ

وكَنائِسُهُمْ وجوَامِعُهُمْ

 

يُرَتِّلُونَ ويُهَلِّلُونَ ، يسْعُونْ ويَمْرَحونْ

شُبَّانُهُمْ يَدرُسونَ يَعرَقونْ، يَنْطلِقونْ

يَتوقونَ، يُنشِدُونَ حَيَاةً جَدِيدَةْ‏

فِي كَنَفِكِ، أَو لِلتَّغَرُّبِ عَنكِ

 

كَالسَّلَفِ الصَّالِحِ مِن بَنيكِ

مِن صُورْ الْأُرْجُوَانِ،النَبَطِيّةْ وَصَيدُونْ

مِنَ الكورَةْ وَطَرَابلسْ والبَتْرونْ

أَنتِ الهُدَى وَالمَكَانُ الآخِرُ

 

وَمِنْ بَعلَبَكَّ وَمَرجِعيُونَ وَحَرَمُونْ،

أَنتِ الغُربَةُ وأَنتِ أَمِيرةُ الأَمَلْ

وكَمَا كُلُّ تَارِيخِكِ

غَرَّبْتِني، بعدمَا عَلَّمَتْنِي

 

شَوَارِعُكِ وَمدَارِسُكِ والجَامِعَةْ

تَبَحَّرْتُ فِي أرضِ اللهِ الواسعةْ‏

وكَمَا العَدِيدُ قَبْلِي وَبَعدِي

نُولَدُ فِيكِ نُبعَثُ وَنَنبَعِثُ

 

حَتَّى سَاحَاتِ المَعْمُورَةِ مَدِينَتي

وَلَمْ تَستَبدِلْ حَنِينِي وَآخٍ إِلَيكِ

يَا آخِرَ المُدُنِ الجَامِعَةِ

وسَاحِرَةَ شَرقِ المُتوَسِّطْ

 

 “سْمِيرْنا” (*) دَمَّرَهَا أتاتورْكْ

والإِسكَندَريَّةُ اسْتَسلَمَتْ‏

لَكِنَّكِ أنتِ لَا زِلْتِ أنتِ

بَسَالَةُ لَبوَةٍ لِتَبقَى رِسَالَتُكِ

 

في الشَّرقِ وَالْغَربِ

مَنَارَاتُكِ النَّبْضُ

مِن عَمِيقِ وُجْدانْ

يا أيُّهَا الإنسانْ

 

تَذَكَّرْ نِعمَةَ الخَلْق

وكُن أحلَاهَا وأَنقاهَا‏

آخٍ وآخٍ ثُمَّ آخٍ‏

عَلَيكِ وعَلَيَّ وعَلَيهِمْ

 

أَهلِي ورِفاقِي وأَحبَابي

فَتَنْتِهِمْ فَعَشِقُوكِ

ما أَوسَعَ صَدرَكِ وحَنَانَ قَلبِكِ

في سِرِّكِ أَنتِ أَنتِ

 

شَاهِدَةٌ عَلَى مَلحَمَةِ الخَلقِ والإنسانْ

ودَوْمًا هُوَ الْألَمُ

وأَنتِ فِي الْمَرْضَاةِ

والمُثَابَرَةِ عَلَى زَهْوِ الطَّرِيقْ

 

وضَوْءِ الصَّوابْ

وأَنتِ الدِّفءُ ونَبَضَاتُ الأمَانْ

ودَوْمًا حِضْنُكِ وِسْعُ بَحرِكِ

والكُلُّ يَمْتَزِجُ فِيكِ ويَتَجَدَّدُ

 

يَنغَمِسُ في ماضِيِكِ

وحاضِرِكِ والآتي

في عِشْقِ الحَيَاةِ‏ وشَغَفِ المَعرِفةْ

وحَنَانِ الْأُمومَةِ‏

ومَا أوْسَعَ صَدْرَ الآلِهَةْ     

***

 

(*)  “سْميرْنا” – Smyrna- أزمير الحالية.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *