إلى ذلك العرزال

Views: 1167

د. جان توما

رُدّني إلى ذلك العرزال المرتاح على أغصان الشجر. تزوره الشمس فجرًا، ويسامره القمر في كلّ عشيّة.

هنا ترتاح من التصاريح المكرّرة، والمواقف المجترّة، ومن وجوه أهل السياسة. هنا تتلهّى بحناحَي فراشة، وأصوات الزيز في العتمة الجميلة. لا شيء يعلو على صوت الطبيعة البريئة. تغرق في حفيف أوراق شجرها، وخرير ماء ساقيتها، وتكتشف لأوّل مرّة مسرى الهواء في رئتيك.

تقف في هذا العرزال لتكتشف العالم الحقيقيّ؛ من رائحة تراب إلى أغاريد عصافير. تطال أكواز الصنوبر وحبّات التوت عن السور العتيق، وحبّات التين قرب كرمة العنب في آب اللهاب، فتروي عطشك، كما كنت في أيام شيطنة طفولتك، من مجانيّة الكروم، مشاركًا بفرح في خيرات ثمار المواسم وأيام بيادر الحصاد.

ما أجمل الغفوة متكئا إلى جذع سنديانة. هنا الدنيا لك في هناءة بال ورضى قلب. تلقى عيناك تراب الأرض المقدّس إن أنزلتهما إلى الأسفل، وتلتقيا بوسع السماء إن رفعتهما. ما بين الإنزال والرفع تتنفّس الأرض وتبتسم السماء.

هي غفوة عمر في  عرزال وحيد على أحد أكتاف شجرة وحيدة، يتنفّسان طربًا  بما يأتيهما النسيم من أخبار الأحبة، وشوق العاشقين، وتنهًد المتعَبين

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *