إلياس ديب: سقوط أجنحة الفراشات

Views: 1045

د. جان توما

حين سئل أحدهم: أيّهما أحبّ إليك: الرسم أو الكتابة. أجاب: كيف يستطيع المرء الاختيار ما بين عين واختها.

إلياس ديب جمع بين الريشة والقلم، وكانا جناحي سفره إلى مواطن الجمال. عرف سرّ اللون فأسره، وأدرك جمال الكلمة فمضى إليها سائحًا على دروب اليقظة والحلم.

عرفته فنانًا وكاتبًا وحاضرًا في المنابر الثقافية كلّها. لم يغب عن توقيع كتاب، أو رفع ستارة عن لوحة ترسمها ألوان الخيال. التقيته للمرة الأخيرة في نهاية تشرين الأول الماضي في توقيع كتاب ، وكنا على تباعد وغرقى الكمامات، أخبرني انه مغادر إلى باريس، فزوجته تنتظره هناك، وسيعود حين تهدأ الأحوال وتسقط الأقنعة.

كنت تشعر عندما يحدثك أنّه واقف أمام قطعة قماش مع لوحة ألوان، يوقّع جُمَلَهُ كما ثنايا لوحاته بدقّة وموهبة، وفهم علمي للتناسق الفنّي والملاءمة.

 

خابرني ليلة سفره يذكّرني بحجز نسخة من كتابي الجديد له ليقف على المشاهد البحريّة وأرصفة الرحيل. لم يك يدري أنّه كان واقفا على هذه الأرصفة يلوّح بالمنديل على صفير سفينة المغادرة التشكيليّة.

منذ عرفته  عام ٢٠١٠، زميلًا في كلّية الفنون الجميلة والعمارة، وما رأيته إلّا رسّاما تشكيليّا يتنقل بين اللوحات كما تنتقل الفراشات بأجنحتها النديّة في “مونمارتر “في باريس، من لوحة إلى أخرى،  وقد عنت له، هذه المدينة، المستقرّ والمعبر الفنّي المتراكم تاريخيًّا، كما عنت له طرابلس والميناء كمقر لإقامته في أيام التدريس وكمحجّة عشق.

منذ راح بيته ومحترفه في انفجار ٤ آب في بيروت، راحت شرايينه تنضب، وتقوّضت صحته وتراجعت، رغم إصراره على أنًه بأحسن حال، لكنك تعرف من لون عينيه أنّ الليل قد تناهى وأنّ لفجر صار على الأبواب.

لملم إلياس ديب أغراضه، تأمل لوحته الأخيرة، صار لونًا من ألوانها إن لم يصرها، في موسم سقوط

أجنحة الفراشات.

***

(*) توفي اليوم  13- 2- 2021 في باريس . رئيس سابق  لجمعية الفنانين اللبنانيين  للرسم والنحت

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *