“فلسفة الإيقاع في الشعر العربي”… حلم القصيدة يتخطّى حدود الزمن

Views: 820

وفيق غريزي

وقع بين ايدينا كتاب نقدي عنوانه: “فلسفة الايقاع في الشعر العربي” للدكتور علوي الهاشمي، وتعتبر ابحاث هذا الكتاب من الانجازات الفكرية والمنهجية النقدية المهمة في حركة الحداثة العربية في مشروعها الطموح رغم الانكسارات التي لا تزال تزدحم بها حياتنا، وهذه الابحاث جزء من غياب الحلم الجميل الذي يغمر وجود بعضنا، ومن دون احلام جميلة، حتى في احلك الظلمات، ليس ما يغري بالبقاء، فالحلم كالايقاع في جوهر حركة الوجود، اولم يكن الانسان نفسه والوجود ذاته، حلما في تلافيف اكبر، من قبل ان يكونا، ثم كانا؟

خصائص الايقاع

يرى بعض الباحثين ان عنصر الايقاع يتصل اساسا بعنصر الزمن في ديمومته التي لا تعرف الانقطاع وفي اتصالاته وصيرورته ولا نهائيته، وفي هذا السياق يرى الباحث محمود قطّاط أن الايقاع ليس مادة ملموسة ولكن تجسمه المادة، ونلاحظ اثر ذلك في حركتنا وفي الطبيعة التي حولنا. وهو اكثر وضوحا في اهم مواطنه الشعر، حيث نجده في الحركة اللفظية وفي الموسيقى وفي الحركة الصوتية وفي الرقص والحركة البدنية. هذه الخاصية الأولى،اما الخاصية الثانية حسب نظرية الهاشمي، فتتمثل في كون الايقاع خفيًا لا يبين إلّا في تمظهره الصوتي الصريح. وثالثة خصائصه شموليته التي تتصل بانسيابه في بقية خطوط القصيدة وعناصرها، ما يحيلها الى مستويات ايقاعية تتجمع في شكل انساق او مجموعات او وحدات خاضعة لايقاع طبيعتها الخاصّ، وللايقاع العام في ان واحد. اما الرابعة فهي خضوعه لعنصر الزمن واخضاعه له، والخاصيةالخامسة، والتحديد للموًلف الهاشمي، “فهي خضوعه ولو موقتا، لقانون المادة وعناصرها، خضوع الزمان للمكان والروح للجسد.

 

جدلية الساكن والمتحرك

يشير علوي الهاشمي الى أن “الايقاع يعني انتظام النص الشعري بجميع اجزائه في سياق كلي، او سياقات جزئيّة تلتئم في سياق كلي جامع يجعل منها نظاما محسوسا او مدركا، ظاهرا او خفيا، يتصل بغيره من بنى النص الاساسية والجزئية ويعبر عنها كما يتجلى فيها. وما يفصل في هذه الاشكالية الفلسفية اساسا هو الفلسفة نفسها، اذ نرى الفلاسفة يميزون منذ القدم بين “الابدية” و “الزمان”، على اساس انهما شيئان مختلفان، فالابدية ترجع الى الطبيعة الخالدة، اي الى السكون الابدي الغامض، الى الدائرة المغلقة حسب المصطلح الذي سنستخدمه في ما بعد. اما الزمان فمجاله عالم الاحداث الجارية في عالمنا المحسوس اي الحركة الممتدة – حركة النفس والعالم – او الخط المتحرك كما يطلق عليه الموًلف الهاشميين مختلف فصول كتابه في مقابل السكون. فالابداع حسب قوله: “في حقيقته شكل من اشكال الوعي الذاتي لذلك التناقض بين وجهي الزمان، الابدي الساكن والمغلق كالدائرة من جهة، والتاريخي المتحرك والممتد كالخط والحركة من جهة اخرى.

 قصيدة النثر المعاصرة

ان قصيدة النثر قررت الاستغناء عن الوحدة الموسيقية الجزئية (التفعيلة)، ولأنه ليس ثمة ما هو اصغر من هذه الكتلة الايقاعية الخارجية المتماسكة إلا ما يحيلها الى شظايا متناثرة وقوى مجزاًة مبعثرة في الكلام النثري الذي لا يكون من خلفه قصد ايقاعي خارجي من النوع الكلاسيكي او التفعيلي، وهذا قد يعطي مبررًا نظريا وسندا قويين في كون قصيدة النثر تطورا ضروريا لتجربة الشعر العربي، وليس في كونها شعرا او غير شعر فحسب، وذلك على النحو الذي سيتبين في مسار الكتاب.

ويقول الهاشمي إن: “القصيدة المعاصرة في اكثر اشكالها تطرفا (قصيدة النثر) لم تتخل عن صرامة البنية الايقاعية، وان كانت استبدلت القافية والوزن بضوابط اخرى، ولم تقتصر تلك الضوابط على شكلها الداخلي، ان صح التعبير، بل افرزت هذه البنية شكلا ايقاعيا خاصا بها، وبذلك غدت لقصيدة النثر بنيتها الايقاعية الخاصة داخلية وخارجية”، (الموسيقى الداخلية، التداعي والتواتر، الموسيقى الخارجية، التكرار، تركيب الجملة – الالتفاف الدائري).

 

ابعاد النص الشعري الجديد

لا بد ان يمثل انتقال قصيدة النثر من حيز النشر والقراءة في الصحافة الى حيز الانشاء على المنابر، واحدا من ابرز الاشكالات التواصلية لم يكن يمثل ذروة العلاقة التواصلية بين القصيدة العربية الحديثة وجمهورها على الاطلاق، وينقل الهاشمي عن سوزان برنار الصفات الثلاث للقصيدة النثرية وهي: الايجاز والكثافة والاعتباطية، اي وضع قصيدة النثر في سياق توصيلي يتعارض كليا مع خصائصها المذكورة، ويقذف به في مساق خصائص اخرى تميزت بها اصلا قصيدة التراث العربية مثل وحدة الايقاع وبروزه. وترى برنار أن: “الايجاز والكثافة والمجانية بالنسبة الى قصيدة النثر ليست عناصر جمالية ممكنة، بل هي حقا عناصر مكونة، لا يمكن ان توجد من دونها. ومن ناحية ثانية ترى انت في كل قصيدة نثر قوى فوضى مدمرة وقة تنظيم في وقت واحد، ومن اتحاد الضدين هذا تنجم ديناميتها الخاصة”.

 شاعر الظل وايقاعه

ويتناول الكاتب الهاشمي الشاعر السعودي علي بافقيه نموذجا لشعراء الظل: “كيف يبنون عالمهم الشعري ايقاعيا”، ويشدد على ان كتابة الشعر مسوولية ثقافية.وتحمل هذه المسؤولية على احسن وجه يكون بالابداع والاجادة في الصناعة هي ان يصهر الفكر والفن من ناحية، وان تشفع كل خطوة في الابداع المحقق بحيرة متجددة وبحث ضمني عن فريد التألق في الابداع من ناحية اخرى، ويقول: “شعراء الظل في مصطلحنا هم الشعراء الذين يقاومون اغواء الشهرة السهلة وشهوة الانتشار الاعلامي الرخيص”. ولذلك فهم مقلون في شعرهم. يختارون اذا جمعوا ما كتبوا ولا يستقصون، ويتريثون في نشر اشعارهم ولا يتسرعون..

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *