عتمة ونور

Views: 412

د. جان توما

كأنّ السماءَ ما عادَتْ تسعُ النورَ، وكأنّ الأرضَ ما عادت تسعُ الظلمة. ترى الأشياءَ بالأبيض والأسود فيما تسعى إلى التلاوين وبهجة انكسارات الضوء.

كيف تحوّلت العين إلى مرابض البحث عن رجفة أو اهتزاز نور؟ ما معنى أن ترى وعينك لا تبصر؟ وتسمع وأذنك لا تستمع؟

هناك حيث العتمة ينبري قنديل موضوع على جبل، قلائل يرونه، يهتدون به كعمود نار في صحراء التيه للعبور إلى أرض جديدة وسماء جديدة.

تتسع السماء لكلّ الناس، إذ ينظرون إليها فتلقي في قلوبهم طمأنينة، يرفعون أياديهم تضرّعًا وعطشا فتجيبهم بالندى والمطر. كلّما انحنى إنسان على اليابسة اتّضعت السماء معه وسجدت. هكذا الليالي ترتفع تسابيح مع النهارات في حوار دائم ما بين تراب الأرض وذرى السماء.

يعرف لابس التقوى أنّه مقيم في قلب الله، فلا تستقيم عنده أثرة، ولا احتكار، ولا متاجرة ولا مكابرة، بل تواضع وخدمة وسعي ورفع وجع. كلّ رباطات الودّ، إن تمدّدت في أرجاء الوطن، تصير معارج مقدّسة إلى الربوع الإلهيّة.

تفقّد زيتَ قنديلِ عمرِك، وحسّن من فتيل احتراقِكّ لتضيءّ للآخرين لتوجّه مسيرتهم إلى الألف والياء، الأوّل والآخر، البداية والنهاية، إنّما نحن قوم بطّالون، أبجدية تكتمل بألفها ويائها، وعمر يتألق بأوّله وآخره، ومسرى حياة تتلوّن ببدايتها وبنهايتها.

كن نورًا ليهتديَ الآخرون في عزّ اضطراب موج الأيام إلى رصيف أمان.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *