زهيدة درويش:إضاءات في زمن العتمة

Views: 175

 د. جان توما

 تكتب زهيدة درويش وعينها على أحوال الوطن. تقرأ في أبجدية ما خبرته وراكمته من سنوات التعليم الجامعي وفي الاونيسكو لتقول كلمة من خلال الكلمات التي جمعتها في كتاب ” إضاءات في الأدب والفكر والثقافة” الصادر عن منشورات مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية (2021).

استطاعت الباحثة أن تنقل مساهماتها الفكريّة والثقافيّة من مناسباتها، من منابر الندوات، أو من منصّات المؤتمرات إلى كتاب ورقيّ ليستفيد من مضامينه متابعو الحراك الثقافيّ والأدبيّ في الشمال ولبنان والعالم.

يأتي الكتاب في زمن الجماد الثقافيّ واللقاءات البديلة على الشاشة عن بُعد، واختفاء لقاء الوجوه والمناقشات الهادئة أو الحادّة المتوترة في قضايا الحداثة والتجديد في التعبير، ونقل معاناة الكاتب أو الشاعر في زمن الضيق والاضطراب. لذا فالكتاب شهادة لعالم كان شاهدّا على حراك ثقافيّ تنوّعت موضوعاته في اللغتين العربية والفرنسية من باب حوار الثقافات الذي يهدف إلى إغناء الفكر، وتطوير المفاهيم، وتلاقح المسرى الحياتيّ لنهضة المجتمعات بوعي واستنارة وفهم، وقبول للآخر في انحياز واضح إلى تساوي الجندرية، وارتقاء المرأة المعارف في سبق واضح لها في مختلف الميادين، لتأتي الأسرة التي ترعاها فاهمة ومتفهّمة في بوتقة من التبيان والتبيين لرفعة الوطن وارتقاء مجتمعه.

لقد استطاعت زهيدة درويش، فيما تعبر النصوص الأدبيّة التي عالجتها، أن تؤكّد مسكونيّة ثقافتها وعالميّة مخزونها الثقافيّ، فإن غرفت من التراث العربيّ، وتوغّلت في نصوص الشعراء العرب المعاصرين، لم تقصّر في معالجة نصوص الكتّاب العرب، باللغة الفرنسيّة، وقد عبروا الجسر الثقافيّ الحضاريّ خفافًا بالكلمة الأنيقة، وبالتعبير الحيّ للتراث العربيّ الكبير، وبتظهير نتائج هذا التلاقح الفكريّ الذي خدم الفكر الإنسانيّ الحضاريّ لغنى استفادت منه الخزائن الثقافيّة، ومنصّات الحوار الواعي المستنير.

تستعيد كمثقف بفرح، مع كتاب زهيدة، وقوفك في زمن الطوابير، وقفتك في طابور التشوّق لتوقيع كتاب بعد كلمات ومنصّة نقاش. تستعيد معجم المفردات الذي غيّبته ظروف حياة اليوم وتكاليفها، فتسرّ بما جاءت به الباحثة من تحليل لمفاهيم الحداثة في بعض النماذج الروائيّة الحديثة، إضافة إلى البحث في آفاق الأدب الفرنكوفونيّ، وفي الثقافة والمواطنة وشؤون المرأة ودورها في الثقافة والمجتمع في ظلّ العولمة، ومشكلات الثقافة العربيّة تجاه التحوّلات الجديدة. هذه ملفات اشتاقت المنابر الثقافيّة اليها، وقد كانت تعجّ بها البلد في زمن كانت هذه المجالس مالئة الدنيا وشاغلة الناس، ويأتي الكتاب ليقول كلمة صادقة في ما كان ثقافيّا وحضاريّا وحراكًا مباركًا، ودعوة بهيّة إلى ما تأمله الباحثة ليكون.

كتاب زهيدة درويش جبور يعيد رسم مسيرة حركة ثقافيّة مجدّدة الحياة والثّقة بأهمية الاستفادة من كلّ ثقافات العالم وحضارتها بما يخدم حريّة العقل والفكر، وإسقاط ما لا يتلاءم مع ما يخالف نمط العيش وروابط الحياة انطلاقًا من ضرورة الاستفادة من عولمة اليوم لنهضة مجتمعيّة، دون الوقوع في الغزو الثقافيّ والحضاريّ، بل المحافظة على الهويّة المحلّية فيما تتلاقى الثقافات في حوار لا يلغي أحدًا، ولا يدمّر أو يشوّه ما اصطلح عليه الناس في يوميّاتهم وأنماط عيشهم.

هذه إضاءات في زمن العتمة استطاعت زهيدة درويش، من خلالها،  أن تساعد القرّاء على التقاط أنفاسهم في زمن الاختناق، واستعادة ألق الأيام الخوالي في الروزنامة الثقافيّة التي تبقى أوكسجين الحياة في زمن الوباء القاتل والجفاف واليباب ، وبالتالي فإنّ كتاب زهيدة دعوة صادقة لاستكمال المثقفين نهضتهم ليبقوا طليعة المنتفضين، كما كانوا، في مواجهة مفاصل الزمن الموجعة لقيام الوطن.

(Tramadol Online)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *