وما أدراك ما السحلب؟

Views: 674

تالة حيدر       

     في روايته  “سحلب”،  الصادرة عن دار نلسن في 2018، ينقلنا الكاتب زياد كاج الى عالم آخر غير مألوف، عالم موجع بواقعيته  ووطأته، فالكاتب يصور ويسرد تجربته الخاصة مع الاكتئاب و تغلبه عليه لنشهد بطل رواية من نوع آخر تكمن بطولته ليس في تغلبه على التحدي العقلي و تعايشه الحكيم معه وحسب، بل ايضاً في التأكيد على انه يجب ان يصبح شأناًعادياً يتقبله المجتمع و يتعايش معه ويُدمج من يعاني منه دون إصدار الألقاب و التوصيفات المسبقة بحقه. واُضيف هنا التأكيد على أهمية التكافل و التقبل في أيامنا الحالية التي لا تخلو من كل مسببات الاكتئاب ومختلف التحديات العقلية الأخرى و ضرورة الدعم العائلي كما حصل مع الكاتب، فهم “ليسوا مخيفين بل خائفين”. 

     إنه الكاتب البيروتي الأصيل و الموظف في الجامعة الأميركية في بيروت، الآتي من بيئة متواضعة و ظروف صعبة أتعبته تناقضاتها و قد نحت لنفسه إسماً صارخاً في عالم الثقافة و شخصيةً صلبة، بالرغم من كل شيء. إنه هو الإنسان الإنسان، فهو لا يتوانى عن التطوع في الدفاع المدني إبان الإجتياح الإسرائيلي و إثر وقوع كارثة صبرا و شاتيلا. وما بين زيارته لمستشفى دار العجزة الإسلامية في 1991 حين غلبه  التحدي و زيارته لشخص يعاني من التحدي فيها في 2018 حياة اُخرى لا تخلو من قسوة الحب و خيباته و التغلب عليها. 

     حين تقرأ “سحلب” التي تحثك على الإستمرار لانسياب السرد و واقعيته، يستوقفك الكثيرمن التشبيهات و التعابير غير المألوفة و الصادمة احيانا. و يستوقفك ايضا الغنى في المعلومات عن الاحداث اللبنانية ، لدى الكاتب المجاز في الإعلام و الأدب الإنكليزي، و دوره الشخصي في الكثير منها. و لا يسعك الا ان ترفع قبعتك احتراما لتلك الجرأة في وصف عوارض و معاناة التحدي العقلي بالتفصيل الشيق. 

     إنه الكاتب المثقف المتعاطف دائما مع “أصحاب القدر السيئ و التعساء و المظلومين” و قد تغلب على قدره السيئ ربما بسبب إنسانيته الفائضه او بسبب رائحة “السحلب” التي يحبها و التي أعادت إشعال الحياة في حواسه الميتة. فعنوان روايته الغامض “سحلب” يحث القارئ ليكمل القراءة كي يصل الى فحوى العنوان و أهميته في حياة الكاتب: “يوم العودة إلى الوعي، يوم السحلب”، و هو المصنوع من زهرة “فالانويسيس”، أي “الظهور”، ظهور الحياة من جديد. تصوير جميل لحالة نفسية عقلية متحولة. 

     لا بد ايضاً من الإضاءة على مهارة الكاتب قي صياغة خواتم فصول الكتاب، فمعظم خواتم كتاباته لها وقع صادم و تترك اثراً يستمهل القارئ و لا يقل ثباتاً عن اثر قصيدتيه “من نحن؟” و “أطل برأسي ماردا”.

     إنه الكاتب الثائر على مختلف التناقضات التي سببت الكثير من معاناته، و لكني لا أراه يشكرها على إغنائه أكثر ثقافياً فبرأيي لولاها لم نجد لديه زخماً هائلاً من الشعور و الإلهام.

     زياد كاج كاتبٌ مثقل بالحياة، مبدع بالرغم من التحدي العقلي أو بسببه. لنفسك الطيبة، لإنسانيتك و روحك النيرة، تمنياتي ان لا تغيب شمسك (و انت العاشق لمغيب الشمس) قبل تحقيق كل أحلامك. لمزيد من الإبداع.                   

 

  

 

                          

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *