ليالي المشتي

Views: 353

د. جان توما

يجمع “زياد غالب” بريشته الموحية ذلك المشهد العتيق للمطلّ الذي سقط بضربة باطونية جائرة.

هنا المشتي، والكلمة عامّية من “الشتيّ”، أي مكان تجمّع الشتيّ، هنا حيث يكون الشتاء قاسيًا، وهطول المطر كثيفًا، وهنا مكان لتجمّع الإعصار، أو التنين البحريّ، الذي يأتي من نصف البحر كعمود مائيّ دوّار، فيضرب زوارق الصيادين والشاطئ، ويتوغّل في حكايات ليالي الصيادين قبيل غفوة أولادهم.

أضاءت ريشة” زياد غالب” السكرى بألوان الفجر والغروب تأرجح زورق، كتب صياد اسم حبيبته على مقدمته، كي يهذّ به حين ” يسرح” في عتم الليل، تأتيه كحورية بحر، تطمئن قلبه، وتلقي الأمان في نفسه، كي لا تغرقه أساطير الإبحار، ليعود إلى عائلته الناطرة رجوعه قبل أن تذوب شمعة التضرّع المضاءة على قبر الشيخ عفّان بين القصرين.

“زياد غالب” لملم جزئيات المشهد كما لملم في طفولته، من هذا الحوض البحريّ، حبّات التوتياء حبّة حبّة، وكم كرج طفلا مع أترابه الصغار في هذه النزلة فيما كانت قباب برج المغاربة، أو عزّ الدين، تراقب شيطنتهم.

يعرف “زياد غالب” ومن يقرأ تاريخ الميناء، أنّ هذا الشاطئ ضمّ القنصليات الأجنبيّة سابقًا، كما ضمّ الصيادين ومحبّي البحر ، البسطاء الكبار، بأصالاتهم وعفوياتهم كما أبو قدور والوزير وغيرهما.

راح الشاطئ يا زياد، وراحت الوجوه التي كتب التاريخ بتجاعيدها أجمل القصائد التي كانت، وبقيت محبرة ماء خطّ العاشقون بحبرها خطًا في السما، ومرّ جناح نورس تشيطَنَ و… محا.

***

(*) اللوحة للفنان زياد غالب

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *