من أمّ في ٤ آب……. لم يعد

Views: 481

د. جان توما

 

تركت ُبابَ المنزلِ مفتوحًا يا ولدي، قلتُ: لربّما عُدْتَ من بين دُخَان الموت وغبارِ البيوت المهدّمة.

كان المرفأ على مرمى ناظرَيْك قبل أن أخسرَ فيكَ الرصيفَ البحريَّ الآمنَ والمرفأَ الأليف. صارتِ المرافىءُ كلُّها غريبةً، منذ أن أخذَكَ تنينُ البارود، وابتلعَكَ حوتُ الردى.

منذ رحلتَ ومخدّةُ أحلامِكَ متكَئي ، وسريرُك ملجَئي، واسمكَ صلاتي، وملامحكَ أرسمُها كلَّ مساءٍ في عينّي كي لا تمحوَها شمسُ الصبح، فيما تنحني ركبتاي صلاةَ فجر لتقيمَكَ حيًّا في قلبي وشراييني.

كأنّك بعضٌ من بعضي، بل كُلّي، تسكن أملي ووعدي، وعيناي تسألان عن موعد اللقاء كغريبين التقيا صدفةً عند رصيف السفر. لوّحت لكَ بمنديلِ الشوقِ فلوّحَ به الهواءُ العاصفُ ورماه بين يديك.رأيتُك تقبِّلُ التطريز ،َعلى أطرافِ المنديل، بشفتيك فقد طرّزتُهُ بدمعِ السهرِ ووجعِ الأيامِ، فيما كنتُ أهزُّ سريرَكَ بحبٍّ ، قبل أن يهزَّ الحاقدونَ هناءةَ مرفأِ بيروتَ، ويزرعونَ شرايين الأمهاتِ الثكالى، والآباءِ المُتعَبينَ، والأبناءِ الموجوعينَ والوطنِ المجروحِ ألغامَ الوجعِ والحنينِ والشوق.

أهكذا يرحلُ العاشقونَ؟ يكسرونَ أجنحتَهُم وأجنحةَ المحبّين؟ من أنْزَلَ صاريةَ الألمِ وبدّدَ آفاقَ الأمل؟ ستعودُ السفينةُ يومًا إلى شاطئِ الرّجاءِ، لأنّ قارورةَ قصيدةِ الحبِّ للوطنِ تتقاذفُها الأمواجُ لكنَّ البحارةَ سيتلقفونها ويقرأون َما كتب فيها: ” كانَ البحرُ قصيدة حبٍّ فمنْ مزّقَ الأبيات، وبَلْبَلَ القوافي، ولم يتركْ رويًّا يروي شوقا في وطن يبحث عن وطن وفي بلد خرج يبحث عن بلد.. ولم يعد… ماذا لو تعود”؟!.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *