“الوحي المعصوم والمسيحيّة الكتابية”… دفاع عن الوحي الإلهي للكتاب المقدّس

Views: 358

أنطوان يزبك

 

في زمن التهمت فيه الشرور كل شيء ولم تبقِ للإنسان ما يتمسّك به كخشبة خلاص روحيّة وإيمانيّة؛ باتت النظرة إلى الكتاب المقدّس على أنه كتاب يضاف إلى سائر الكتب، مدوّنات تاريخيّة، نفسيّة، شاعريّة، ملغية الألوهة والإيمان وصولا إلى شخص الله بذاته، ولكن لا! هذا الطرح الساقط أتى من يقف في وجهه بشراسة، شراسة الإيمان الحقيقي والقناعة الراسخة، بأن الكتاب المقدّس هو كلام حرفيّ وكليّ، والوحي ليس أمرًا يؤخذ بسهولة ويتمّ التعامل معه كما تدرس سائر النصوص الأدبيّة، والتاريخيّة.

في كتابه “الوحي المعصوم والمسيحية الكتابية” يقول القسيس الدكتور إدكار طرابلسي، في الصفحة 38: “إذًا، الكتاب المقدّس هو كلام فيه المحيي، هذا هو تمامًا ما عناه الربّ عندما قال “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله” (متى 4: 4). إذًا الله هو الكاتب والمؤلّف لهذا الكتاب”.

هل من حجّة أقوى وأمضى من الكتاب المقدّس عينه؟!

في هذا الكتاب (دراسة شاملة تستند إلى النص الكتابي ولا شيء غير ذلك)، يعمد إدكار طرابلسي إلى تحليل منطقي ومنهجي متسلسل، يحدو به إيمان صلب لا يتزعزع إلى الخلوص إلى شواهد وأسانيد صلبة كما كنيسة الربّ، لا يمكن لأي فكر، علميًّا كان أو دقيقًا، أن يدكّ سوار الإيمان، مهما حاول، ولم يبتعد الوحي والإلهام في تفسير وتدوين الكتاب المقدّس كثيرًا عن طبيعة الإنسان المليئة بالمواهب والقدرات التي تعمل بصدق وحريّة وجمال وابتكار.

يقول في الصفحة 42: “بالإمكان وصف عمليّة الوحي هذه، حيث جرت كلمة الله عبر الكتّاب، بعمليّة خروج الموسيقى الشجيّة عبر المزمار، أو كما يخرج الصوت عند نقر الوتر على القيثارة.

د. إدكار طرابلسي

 

إذًا هناك عمل إنسانيّ، هناك فخّارة أو آنية استخدمها الله ليُخرج كلماته عبرها ملوّنة أو مطعّمة بنكهتها (لغات: عبريّة، أراميّة، يونانيّة؛ أسلوب: شعري، قانوني، أدبي، نبويّ؛ اختبارات شخصيّة لقضاة، رعاة، ملوك، وأنبياء وغيرهم)، لكنها في الأصل، كلماته الحرفيّة التي اختارها ليعبّر فيها عن إرادته بشكل دقيق. وهكذا يستطيع المرء أن يقول بطريقة قابلة للتبادل: إشعيا يقول، أو هكذا قال الرب”.

نفهم من هذا الشرح أن كلمة الله جرت على لسان الإنسان، وهذا الكلام الربّاني ليس هلوسة أم إرهاصات فكريّة كما يدّعي البعض، وأن الكتاب المقدّس هو صناعة بشريّة على غرار إلياذة هوميروس أو الكوميديا الإلهيّة لدانتي!!..

كلام الله جرى على لسان البشر لأن الأمور يجب أن تكون هكذا، فمن يقدر على نقل الكلمة إلى الإنسان غير إنسان آخر ومن المستويات كافة، أرادت المشيئة الإلهية أن تكون الرسالة بهذه الطريقة فكانت، إضافة إلى علامات ورسائل أخرى في الكون والطبيعة والوجود بأسره… إنها قدرة الله ومبتغاه.

في الكتاب استشهادات ودلائل عظيمة، ومع كل صفحة يعثر القارئ على معلومات ودروس لاهوتيّة مهمّة تزيده علمًا وثقافة حول عيون الفكر المسيحي النقي والنافذ، ففي الصفحة 52 ينقل إدكار طرابلسي آراء وإيمان القديس أغسطينوس: “آمن أغسطينوس بأن كلا العهدين، القديم والجديد، كتبهما الله، وأن كتّاب الأسفار المقدّسة كتبوا تحت تأثير من الروح القدس (في دفاعه عن الثالوث)، وقال: أظن أنه لمن الخطر القول إنه هناك كذب في الكتب المقدّسة… فإن اعترفنا بكذبة واحدة بسيطة لن يبقى شيء من هذه الأسفار”.  

أغسطينوس

 

دعونا نسلّم، موافقين، لسلطة الأسفار المقدّسة التي لا تعرف التضليل ولا تُضلّل… كل ما فيها هو جليل وإلهيّ.

هذا الكتاب هو بداية لمعركة الإيمان الجديدة وعلى كل مؤمن أن يأخذ على عاتقه مسألة حقيقة الأسفار المقدّسة فالتهاون يودي حكمًا إلى هاوية الضياع التي تزداد اتساعًا وعمقًا يومًا بعد يوم.

إدكار طرابلسي مدافع ومحارب من فرسان الإيمان، في كل ما كتب وأصدر من مؤلفات ومقالات، عمل بلا كلل في حقل الربّ وضاعف المجهود وضاعف الوزنات بعمليّة حسابية مترامية الأصفار وأرقام لا يحدّها الخيال دأبه في ذلك صوت الإيمان وديمومة كنيسة الربّ…

ختامًا استشهد بما ورد في الصفحة 77: “الكنيسة يجب أن تتمسّك بالكتاب المقدّس كما تتمسّك بالله. إن تخلّت الكنيسة عن الكلمة، تخلّى عنها الله ووقعت تحت دينونته. “من رذلني ولم يقبل كلامي فله من يدينه في اليوم الأخير. الكلام الذي تكلّمت به هو يدينه في اليوم الأخير” (يوحنا 12: 48)”.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *