قراءة في كتاب “يعني إيه راجل؟” للروائيّة رشا سمير

Views: 938

ميشلين حبيب

 

أن يكتب روائيّ كتابًا كاملًا بالعاميّة أو اللّهجة المحكيّة هو أمر غيرُ مُستساغ لدى البعض من الأدباء وغير مألوف لدى القرّاء ومُستهجن لدى النقّاد. هو مقبول فقط إن وردفي سياق الرواية،بخاصة في حوارات بعض الشخصيات، حيث يتطلّب ذلك استخدام العاميّة وليس الفصحى بهدف خدمة النص وإضفاء الواقعيّة عليه.

لكن أن ينجح روائيّ في أن يقدم للقارئ نصًّا شيّقًا ومُمتعًا في اللّهجة العاميّة يعكس واقعَه ومجتمعَه بطريقة مباشرة مع الحفاظ على قيمة النصالأدبيّةفذلك مغامرة جريئةوأمريُحتسب للكاتب. هذا ما فعلته بالضّبط الروائية المعروفة والكاتبة الصحفية وطبيبة الأسنان المصريّة رشا سمير. 

 

يعني إيه راجل؟ عنوان كتاب للروائية رشا سمير، كتبت القسم الأوّل منه باللّهجة المصريّة (يقع الكتاب في قسمين، اختارت الكاتبة أن يكون القسم الأول باللهجة المصريّة المحكيّة والثاني بالفصحى) وهو صادر عن الدار المصريّة اللّبنانيّة. عنوانه يجعل القارئ يتساءل أو يتردّد أو يعتريه الفضول، وعندما يقرّر قراءته يُفاجأ بأنه مكتوب بالعامية فيزيد تساؤله وربما فضوله.لكن بعد أن يُبحر في القراءة، ينسى كلّ ذلك ويغرق في الكتاب ومضمونه المُهم والشيّق وأسلوبه الساحر الساخر والخفيف الظلّ تمامًا مثل شخصيّة كاتبته الذكيّة والمُثقّفة التي يعبق بها النص. وهذه الشخصية بالذات هي التي ساهمت في إنتاج نص ناجح كهذا.

تقول الكاتبة في المقدّمة شارحة عنوان الكتاب: “قرّرتُ أن أجيب عن السؤال الذي طالما سمعته من صديقاتي، السؤال الذي شغل الرأي العام أكثر من سؤال البيضة  أم الفرخة. وقرّرتُ أن أشفي غليل صديقاتي وقريباتي اللّواتي تململن كثيرًا من تعنّت أزواجهن، وسئمن الجملة التي يختتم بها الرجال كل المشاحنات والمشاجرات الزوجية بجملة: 

أنا حرّ أعمل اللي أنا عاوزه … أنا راجل.

وطبعا تردّ الزوجة بعصبيّة شديدة:

راجل! يعني إيه راجل؟!

ينتهي الشجار عند هذا الحدّ ويبقى السؤال: يعني إيه راجل؟!”

يطرح الكتاب مشكلة يعاني منها المجتمع المصريّبشكل خاص والمجتمعات الأخرى بشكل عام.الموضوع المُتناول ليس عاديًّا أو بسيطًا، هو في الواقع مؤلم ومُدمِّر وقد اختار المجتمع أن يغضّ النظر عنه وأن يترك النساء لتنوء تحت وزره. 

 

تخبر رشا سمير في الكتاب قصصًا عديدة،قصصًاواقعيّة نقلتها كما هي وألقت الضوء عليها بطريقة مباشرة تضع القارئ – رجلًا وامرأة – أمام نفسه وتحثّه على التصرّف والتعاطف والتماهي وعلى التغيير والثورة على الذات. فلا يجوز الاستمرار في هذا الصراع واللاتوازن في العلاقات الزوجية وإلا فالزواج إلى زوال كما يظهر لنا من نهايات القصص التي تنقلها لنا الكاتبة والتي كانت هيشاهدة عيان في البعض منها.

إنّ سرّ نجاح يعني إيه راجل؟يعود إلى كونه حوارات يوميّة مأخوذة من واقع حياة الأزواج وما يدور بينهم من أحاديث ومشاحنات واستياءات ومشاكل حياتيّة يوميّة،من هنا كان لا بدّ أن تُكتب هذه الحوارات بالعاميّة المصريّة لأنه مهما أصاب الكاتب بالتعبير عنها بالفصحىستخسر البعض من عفويّتها وحقيقتها. 

يتميّز الكتاب كذلك بانسيابيّة جميلة جدًّا في السرد والحوار وتظهر فيه بوضوح قدرة رشا سمير الكبيرة على كتابة السيناريو والحوار (كما في كل رواياتها).يعني إيه راجل؟ يتمتّع بقالب دراميّ ومشهديّة تلفزيونيّة وحتى سينمائيّة وبسيناريو وحوار جاهزين مما يجعله يصلح بامتياز لأن يكون فيلمًا أو مسلسلًا قصيرًا.

قراءتي لهذا الكتاب لا تعني أنّي أشجّع على الكتابة باللّهجة المحكيّة، كما أنه ليس باستطاعة أيّ كان أن ينجح في فعل ذلك، ولا يجوز أن تُكتب جميع المواضيع بالعاميّة إذ ستفقد قيمتها الأدبيّة وتخسر الكثير من مضمونها. قراءتي هذه هي إضاءة على عمل أدبيّ ممتع ومهم جدًّا بموضوعه وأسلوبه.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *