من “صيدليّة” علي الشرفا..علاج لمرض جامعة الدول العربيّة

Views: 607

إخلاص عبد الهادي

يؤثَر عن الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، الشاذلي القليبي، أنه كان  يردّد دائما في الأزمات التي تعصف دوريّا بالعالم العربي:”الجامعة العربية ليست عصا سحريّة”!وفي بيان استقالته من منصبه في العام1990 شكا من أن “جامعة دولنا تواجه انقسامًا خطيرًا، وأن الدواء يوشك أن يكون أشدّ من الداء، بل يُخشى أن يكون قاتلا”.

  فهل أن الدواء اللازم لمعالجة “خمول” جامعة الدول العربيّة أصبح الآن مستحيلا؟، لاسيما وأن ما يمكن وصفه بأنه “حياديّة” الجامعة عمّا يجري في غزة من فظائع يطرح ألف سؤال وسؤال، من مستوى التخاذل إلى مستوى التآمر. وإلاّ كيف نفسر أن تهبّ دولة مثل جنوب أفريقيا لنصرة غزة ولإحقاق الحق الواضح وضوح الشمس، فيما تغرق جامعة الدول العربيّة في نومة أهل الكهف، وكأن ما يجري لا يعنيها، لا من قريب ولا من بعيد؟

  وهل أن جامعة الدول العربيّة باتت هرِمَة وأصبحت تعاني من عجز الشيخوخة وارتخاء العضلات وتصلّب الشرايين؟ واستطرادًا، ألمْ يعد هناك من دواء ناجع لمعالجة مرض الجامعة المزمن، حتى ولو كان أشدّ فتكًا من الداء نفسه، على ما كان يقول الشاذلي القليبي؟

 

  أجل، هناك دواء..

دواء قائم على التبصّر وبُعْد النظر وإعمال المنطق العقلاني المتماسك.

 وقد طرح المفكّر العربي علي الشرفا، منذ سنوات، تركيبة بسيطة لهذا الدواء وشرح فوائده.

ولكن هل هناك مَنْ يقرا؟ وإذا قرأ هل هناك مَن يريد أن يطبّق بنود تلك الوصفة الناجعة؟

 لكن، وعلى الرغم من أن “داء” جامعة الدول العربية، في ظل تركيبتها الراهنة المتهالكة، قد اصبح عصيًّا على الشفاء، فإنه لا بأس من التوجّه إلى “صيدليّة” علي الشرفا وإعادة التذكير بتركيبة دوائه، علّ الذكرى تفيد المؤمنين!

  في كتيِّب له نُشر قبل سنوات وأعيد نشره مرارا في طبعات متتالية، يحمل عنوان”نحو استراتيجية لإعادة بناء النظام العربي”، يطرح علي الشرفا خطّة بسيطة من أربعة بنود يراها كفيلة بمعالجة الأزمة المزمنة التي تعاني منها جامعة الدول العربية.

  ففي البند الأول يرى أنه “لا بدّ من وضع ميثاق جديد تتحدّد فيه العلاقات العربية بأسلوب واضح وملتزم مع تحديد صريح لواجبات كل دولة عربيّة ممّا يضمن ما لها من حقوق ويستوجب عليها من التزامات في وقت السلم أو في وقت الإعتداء على إحداها من خارج المجموعة العربية”.

  وهذا يتأمّن إذا ما تمّ العمل بالبند الثاني من الخطّة والذي ينص على “وضع إطار لأسلوب التعامل بين الدول العربية على أساس الإتصال المباشر والحوار المستمر لإنهاء أي خلاف، وأن تتم معالجته بالسرعة التي تجعل الأمر محصورا بين القادة، منعا لأية تداعيات تنعكس سلبًا على الشعوب وتزيد من ابتعاد هذه الأمة عن أهدافها ويساعد ذلك أعداءها على استغلال أية نقطة ضعف.”

ولا يكون ذلك ممكن الحصول في الواقع إلا إذا التزمتْ كل الدول العربية، وفق ما ينص البند الثالث من الخطة،” بحضور اجتماعاتمنتظمة لمؤتمرات القمة في مكان مقر الجامعة العربية، ولا يجوز تحت أية مبررات أو حجج أو طوارئ تأجيل اجتماعات القمّة حت تثبت الدول العربيّة جدية اللقاءات وما ستسفر عنه من نتائج لها بالغ الأثر على مصلحة الأمة العربيّة”.

 

  وبالوصول إلى البند الرابع تتضح الأبعاد التنظيميّة لخطة علي الشرفا المتكاملة بحيث تفترض استيعاب متطلبات المستقبل العربي، بعد إعادة النظر في قانون الجامعة لتفعيلها وإعادة هيكلتها بغية تخليصها من كل ما من شأنه إعاقة تحركها بالسرعة والفعالية المناسبتيْن. وهذا يفترض ثلاثة متطلبات:

  • تعيين الأمين العام للجامعة يكون دوريّا حسب الحروف الأبجدية على أساس ثلاث سنوات فقط غيرقابلة للتجديد، بما يضمن أن تأخذ كل دولة عربية فرصتها بأسلوب يضمن عدالة التناوب على منصب الأمين العام.
  • تعديل ميثاق الجامعة العربية بما يحقق المصلحة العربية العليا، على أن يكون نظام التصويت علىالقرارات بالأغلبية وليس بالإجماع الذي تسبّب في تعطيل تنفيذ قرارات الجامعة منذ العام 1948 إلى اليوم، ما أدّى إلى “مصادرة مستقبل الأمة العربية وما تتطلّع إليه الشعوب من تقدّم وتطوّر وحماية للأمن القومي العربي وتحقيق التعاون المشترك في المجالات الإقتصاديّة والسياسية والثقافية والعسكرية كافة”.
  • “تشكيل لجنة الحكماء المكوّنة من ثلاثة رؤساء دول عربية تغطي جغرافية الوطن العربي من المحيط إلى الخليج” (عضو من المغرب العربي، وعضو من المشرق العربي والثالث من الخليج) وتكون مهمة لجنة الحكماء هذه ” التواصل المباشر مع قادة الدول العربية الذين حدث بينهم سوء تفاهم، ثم اللقاء بأطراف النزاع لوأد الضرر وما قد ينتج عنه من تصعيد(…)ومبادرة لجنة الحكماء تستطيع تقديم الحلول العادلة للإصلاح بين الأخوة تيمّنًا بقوله تعالى ” إنما المؤمنون إخوة فأَصلحوا بين أخويْكم وأتقوا الله لعلَّكم تُرحَمون ” (الحجرات 10).

 

 

فهل أن هذه الخطة الإيجابيّة والبسيطة، المستخرَجة من “صيدليّة” المفكر العربي علي الشرفا، تجد طريقها إلى مَنْ بيدهم الحلّ والربط فيستفيدوا منها لمعالجة الأمراض المزمنة التي تعاني منها جامعة الدول العربية؟

  يبقى الأمل واجبًا.. وإلا تقطّعتْ بنا كل السبل!

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *