تريزيا الطفل يسوع و… قداسة المرأة في عصرنا

Views: 686

أنطوان يزبك

 

القديسة تريزيا الطفل يسوع وردة فاح عطر نبوغها الروحي

نهج جديد في الإيمان ووعد صلب في طاقات الحب الإلهي.

***

عظيم هو الإيمان إنما لا فائدة منه إن خلا من المحبة  (القديس أغسطينوس)

 

فتاة يافعة بعمر الورود، دخلت دير الرهبانية الكرملية لتعيش حياة قصيرة ولكن مفعمة بروحانية نادرة ومميزة أضاءت سماء الإيمان بطريقة متقدمة جعلت من شباب وشابات العالم يتمثلون بها ويتخذونها شفيعة وقدوة؛ نبراسًا مشعًا في كنيسة شهدت انحدارًا وأحداثًا عالمية واجتماعية خطيرة.

إنها تريزيا الطفل يسوع التي مضى قرابة قرن على إعلانها قديسة وملفانة حتى أن البابا بيوس الحادي عشر اعتبرها نجمة حبريته.

في قرن شهد صعود المادية إلى الذروة، ولدت تريزيا في فرنسا سنة 1873 وسط زمن الثورة الصناعية واستعمار أوروبا للقارات الأخرى، والنظرة إلى الإنسان ككائن مادي عدميّ بحت، موجود على الأرض بالصدفة وراحل عنها بالصدفة.

أتت المادية كردّة فعل على طغيان الفكر الفلسفي الماورائي، الذي يجتذب، في مكان ما، إنسانيّة الإنسان وخصوصيته الروحية، وأتى الإيمان المسيحي ليقف في وجه المعميات والتفسيرات الميسّرة للوجود والتي جنحت نحو الإيهام فأدخلت الإنسان في اليأس والخوف والضلال!

في خضمّ هذه التحولات في نهاية القرن التاسع عشر، تركت تريزيا مارتان طفولتها المرحة في كنف أسرتها الحنون، لتلتقي المسيح السماوي حبّها وهدفها الأول والأخير، تلتقي به في توهج وأنوار البساطة والاستسلام الكلي لضياء حبّه اللامتناهي، أتت لتقدّم لنا جرعة حب تسير عكس العقليات السائدة والتي أرخت ظلالا سوداء على الإيمان، فنشأت حالة من انعدام الثقة لقرون بين الله والإنسان.

تريزيا في التاسعة من عمرها

 

هذه الشابة الصغيرة صاحبة النظرة المتوهجة علمتنا أن نثق ونطمئن بوجود “سماء يسوع” نعيم الحب والفرح، جنة من الأنوار التي لا تنطفئ، والسعادة الطوباوية التي لا مثيل لها!..

هذا النعيم الموعود عبرت عنه تريزيا من خلال البساطة فهي تقول: “ربنا لا يحتاج منا لا أفعالا كبيرة ولا أفكارًا عميقة، لا المواهب أو الذكاء، بل هو يعتزّ ببساطتنا”.

أجل هذه البساطة التي هي في أساسها النقاء وطهر النفس، فلا شيء بقادر على شراء الخطيئة إلا هذه البساطة؛ تفتح السبيل إلى إدراك الألوهة والتمكن من معاينتها بالحقيقة واليقين، هذا اليقين الذي كان حاضرًا، منذ البداية، في سريرة تريزيا، ولو أن الشكوك ساورتها في بعض الأحيان ولكن الانتصار كان مدوّيًا في النهاية!!

تقول في هذا الصدد: “من السماوات سيحقق الله الطيّب كل ما أتمناه، لأنني لم أنفّذ إرادتي الخاصّة على الأرض”.

 

هذا الإيمان القوي جعلها تستسلم بكليتها إلى مشيئة الله وهو سيمنحها كل ما تشتهيه!

أما نحن الذين نعيش في ظروف صعبة، بالغة التعقيد، كيف نتعامل مع الله؟ من يوصلنا إلى اليقين؟ من يمتلك قدرات خفيّة أو ظاهرة ليبدّل من طغيان الشرّ والجهامة، والباطل والمخططات التي تترصّد بالإنسان من أجل إهلاكه، الجواب عند تريزيا: “تحمّل المعاناة بفرح يجعل الناس يرتدّون أكثر من المواعظ”.

في سيرتها تعاليم لافتة وفوائد، لا تحصى ولا تعد، في حال قراءتها والاتعاظ بها، وبات واضحًا في عصرنا أن قداسة المرأة تطبع وجدان الناس. والقديسات من وزن تريزيا يرسمن عهدًا جديدًا مع الله في مسيرة التوبة والخلاص.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *