بين الحلم واليقظة

Views: 12

خليل الخوري 

الاجتماع الصباحي اليومي الذي يعقده أحد المسؤولين البارزين مع أركانه ومستشاريه كان هذه المرّة مُختلفاً. فقد روى لهم أنه استيقظ من حلمٍ وردي استعاد فيه لوحةً مُشرقة من الزمن اللبناني الجميل. كان جاداً في ما يروي، ومما أخبرهم أنه انتقل في الحلم من موقع إلى آخر ومن محطّة إلى ثانية ليَدورَ على معالم بيروت ومناطق أخرى في مختلف أنحاء البلد. واستعادَ في وصفِه العاصمة كما كانت تضجّ بالحركة والحياة ليلاً ونهاراً، فجالَ، في الحلم دائماً، على المطاعم والملاهي والمقاهي والمتاجر والساحات.

كانت تبدو عليه الحماسة وهو يصفُ بدقّة كيف أنه بدأ مشوارَه الخيالي هذا في ساحة البرج، كما كانت قبل الحرب، من الصحف المفروشة على الرصيف ليتلقّفها الذين انتهت سهرتهم مع إطلالة خيوط الفجر الأولى.

وقال إنه لم يفتهُ أن يتناول الفطور عند العجمي. والغريب أنه، ودائماً وأبداً في الحلم، قَصَد مقاهي شارع الحمرا الشهيرة وعقَدَ في أحدها حواراً ثقافياً راقياً مع شعراء وفنانين لبنانيين وأيضاً في حضور نزار قبّاني وغادة السمّان ومحمّد الفيتوري ودايزي الأمير، ولمَحَ في الزاوية المقابلة من المقهى ميشال عفلَق وأكرم الحوراني إلخ…

كان المسؤول البارز يتحدّث بكثيرٍ من الإجتهاد وكأنه يغرفُ من خزّان الذاكرة ما استعادَهُ في ذاك الحلم وهو كثيرٌ جدّاً، لم نذكر ممّا رواه سوى غَيض من فَيض.

وعندما انتهى غصَّ بريقِه ولم يستطع أن يحجب دمعةً سالَت على خدّه.

لم يسأله أحدٌ عن دوره وأقرانِه المسؤولين في ضياع ذلك اللبنان الجميل وقيام هذا النموذج المسخ بدلاً عنه. إلّا أنّ أحدهم قال له: اسمح لنا يا (…) أن نقول لك إننا افتقدنا الأحلام الورديّة من زمنٍ بعيد ولم نعد نستحضرُ في مناماتنا إلّا الكوابيس المُرعِبة من تفجيرات واغتيالات وكوارث وفقر وجوع. أمّا في اليقظة، فنحلم، في مُرتّبٍ يخدمنا لأسبوع وليس لآخر الشهر فهذا مُستحيل. كما نحلم بالقدرة على تأمين ثمَن صفيحة البنزين، وأيضاً القدرة على تسديد فاتورة المولّد الذي كلّما زاد من تقنينه، بجانب تقنين شركة الكهرباء، ارتفعت فاتورته أرقاماً خيالية. كما نحلمُ بتوفير ثمن الكتاب المدرسي، أما الأقساط فحلمٌ آخر (…).

ومن أحلامنا في اليقظة أن نرى لبنان وقد فُكَّت عنه العزلة الخانقة، وعاد السيّاح إلى ربوعه خصوصاً السيّاح العرب.

… والأمل ألّا يحرمونا ترف الحلم.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *