لا تزال بخير

Views: 558

خليل الخوري

بالرغم من كل شيء، لا تزال الدنيا بخير في هذا البلد…

بالرغم من الأزمات الخانقة.

وبالرغم من سخافة أصحاب الطلاّت البهيّة الذين يجلدوننا في بيوتنا وفي مكاتبنا وفي الحاسوب والهاتف الذكي أيضاً (…)

أجل! إنهم يجلدوننا بآرائهم وتحليلاتهم وخصوصاً بالألقاب التي يغدقها عليهم مقدمو برامج «التوك شو» التي هزلت فعلاً… وبات ابن (أو بنت) أشهر في المهنة قادراً على استقبال من يشاء من الوجوه إياها… وإذا أنت كُتب عليك شقاء أن تعاين هذا المشهد وأن تتلقى الشظايا إنْ في أذنيك أو في مشاعرك.

ولقد أقعدني ظرف طارئٌ بضعة أيام في المنزل، فوجدتني على تماسٍ (أذنَ لي به توقفي الاضطراري الموقت عن العمل)، مع الشاشات التلفزيونية، والى حدٍ ما مع أثير المحطات الإذاعية أو بعضها، وفعلاً يجب الإقرار بأننا أصبحنا شعباً في حاجة ماسّة الى الشفاء من غسل الدماغ، والذات من هذا الركض اللاهث وراء الشعبوية إنْ لدى المستضيفين  أو لدى الضيوف.

وبالفعل وجدتني أعبّر عن تقديري لقدرة شعبنا على الاحتمال، فما يقدم لهم، في منازلهم، من برامج يُـزْعَمُ أنها سياسية، وسواها يدّعون أنها ترفيهية، وثالثة يقال إنها اجتماعية (وهي في أكثريتها الساحقة من المعاد والمكرّر) إن هذه المادّة إنْ هي إلاّ ضحالة فكرية وتصور ثقافي وانتقاص في الوطنية وجهل مطبق في أصول المهنة وفصولها.

وأمّا هذا «المحلّل السياسي» فلم يقرأ كتاباً سياسياً واحداًَ! وهذا الخبير الاقتصادي فلم يسمع مرة بـ «شاخت» ولم يقرأ كتاباً في المطلق، ولا حتى «رأسمال» كارل ماركس، ولا يعرف ما هو الفرق بين المصرف والبورصة، وبين «الكاش والبنكنوت» الخ… وأمّا ذلك «الخبير الستراتيجي» فلم يسمع بــ صن تزو الصيني وكتابه «فن الحرب» (500ق.م). وكلاوز ويتز الالماني وكتابه «في الحرب» (القرن 19). وبيتر باريت وكتابه «صانعو الاستراتيجيات الحديثة». (الخ…)

ومع ذلك فالدنيا بخير… فبالرغم من كل شيء لا يزال، هنا، من «يستفقدك» سائلاً عن غيابك مطمئناً إليك باعثاً تحياته مع صباح غضبت فيه الطبيعة صقيعاً وثلوجاً بينما كنت أنت في ليلة تحكّمتْ بك بُـرَداءُ بولس سلامة وحمّى أبي الطيب المتنبي… فتأتي الأصوات الأنيسة لتبعث فيك دفئاً، وتنتزع منك ضيقاً، وهو ما كانت قد أتمته أم البنين والبنات ببسمة الرضى مع «ضحى» كل نهار.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *