“قطراني”

Views: 949

د. جان توما

كان الخشب سيد البناء، ومغناج الهندسة في العهد العثمانيّ. هذا ما تلحظه في أبنية أزقة الميناء القديمة الآتية من أيدي الفينيقيين وصولًا إلى الفرنجة، فالمماليك الذين دمّروها بعد انتصارهم ليبنوا طرابلس النهرية عام ١٢٨٩م.

ارتفع الخشب من الداخل سقوفًا داخليّة للبيوت، وشاع اسمه الشعبيّ “قطراني”، فيما هو أرز لبنان، أو من نوع آخر خاضع للدهن بالقطران الذي هو مادة الزفت، ويبحث عنه المهندسون لمتانته وقوته.  للخشب في الميناء البحريّة قصة حياة ورفقة عمر، فمنه صنعوا أثاثهم وأبوابهم وزوارقهم، ومطلّات بيوتهم آخذين من الهندسة التركيّة الشرفات الخشبيّة والمشربيات  المزخّرفة التي تسمح بالرؤية من الداخل بحريّة وتحجب النظر من الخارج.

 

هذه بيوت قامت على الحجر البحريّ والخشب الوافد من بساتين الفيحاء، أو من المرمي من أعالي جبال وادي قاديشا، ليعبر نهره وصولا إلى مصبّه عند أبي علي. لقد صمد الحجر الرملي آلاف السنين في الميناء القديمة في المنحى الشرقيّ،  فيما تتهاوى أبنية الباطون في المنطقة الغربية بسبب ملح البحر، وجنزرة الحديد والهواء العاصف.

تبقى الميناء الشرقية بعمرانها الحجريّ، ونسيجها البشريّ شهادة على تلك الأيدي العاملة بعرق الجباه، للحفاظ على الإرث الهندسيّ العتيق، فحافظ الأهل على متعرجات الأزقة المتداخلة، وعلى القناطر الإفرنجية والبيوت ذات الطراز المملوكيّ والعربيّ والإيطاليّ، كما في الحفاظ على الشرفة الهندسيّة التركيّة، ولو اختلفت وجهة استعمالها وموادها الجديدة.

أما آن الأوان لتنهض هذه الأزقة واحة سياحيّة تستقطب الزائرين، وتوفّر فرص عمل؟

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *