كالفراشات…

Views: 692

د. جان توما

ارمِ ما بقي من نورِكَ وادخلِ العتمة. قِفْ في ظلالِ ضوء في ما تبقّى من وطن. كم فَرِحْتَ بأن تتقاعدَ بعد عمر، تغفو تحت سنديان أو شربين، تغسلُ رجليك بماء النهر المجاور، وتلتقط حبّات العنب من عريشة زمن شيخوختك، وتلاحق أحفادَك كما تتبع فراشات سنوك الملوّنة بابتساماتهم.

 كيف وضعوا نقطةً على سطرِ أحلامِكَ؟ وكيف أطاحوا بقصورِ أمنياتِكَ،  وقد قررتَ أن تقضيَ بقيةَ عمرِكَ على هذه الأرض التي فيها كَرَجْتَ  وأَحْبَبْتَ وتَزَوَّجْتَ وأَنْجَبْتَ وَوَدَّعْتَ أبناءَكَ إلى ديارِ الله الواسعة.

 قيل: وطنك حيث رزقتك لا مسقط رأسك.قد ينطبقُ هذا القول على الجيل الجديد الذي وُلِدَ في وطن بعيد، آواه واحترمه ورعاه، أمّا جيلنا فمن الصعب عليه أن يخرج من جلباب أبيه، والكنزة المشغولة بأيدي جدته وأمّه. من الصعب أن تبتعد عن خزانة الذكريات في حيّك القديم، وأبواب الحارات، وسبيل الماء الذي يروي حكايات الذين كانوا هنا، فيغسل وجوه الملح المُتْعَبَةِ.

 اتركونا نحيا ما بقي لنا هنا، بهدوء، مقتنعين بكفاف بومنا. الخوف، في تقاعدنا،  أن يحملنا الهمّ إلى ديار غريبة، كي لا نصير نافذة موحشة، بنور خافت وشجرة وحيدة. اتركوا لنا المدى والشروش ، وما بقي من نغمات في منجيرة الراعي بعد أن هاجرت الألحان والمووايل، وضاعت مفاتيح السلّم الموسيقي المُطْرِب في دروب العالم بعد أن كانت تلهو على السور العتيق في تلك القادومية إلى العين الساحرة

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *