فيليب عقيقي مُحتَرِفُ إبداع

Views: 430

الدكتور جورج شبلي

 

عندما يكونُ الإنسانُ مَفطوراً على الفَنّ، وهو، معه، شَطرٌ من زمنِ الثّقافة، يكونُ مصنوعُ حياتِهِ أنيقَ الجواهر، له خاصيّاتٌ فريدةٌ لا يكنُ معاينتُها إلّا من زاويةِ عِلمِ النّفسِ الذي له معها إلفة.

فيليب عقيقي لا يزولُ رَسمُهُ، مهما طرأَ عليهِ من التباسات، فهو مواطنٌ أصيلٌ في عَملِ التّمثيل، ورسالةٌ مُطَوَّلَةٌ لها دَويها، وكأنّها بساطٌ سحريٌّ ينقلنا من مشهدٍ الى مشهدٍ، ومن حَبكةٍ الى أخرى، فنرانا في دهشةٍ، وإعجابٍ، نتَوَقُّعُ، معه، تَوَقُّعَ الظَّمآنِ للماءِ الزُّلال. من هنا، أعلنَ الظّهورُ المُبهِرُ لفيليب عقيقي عن شخصيّةٍ مميَّزةٍ، له، في الإحساسِ والأسلوب، كان لها نزعةٌ آسِرة، وبها استكملَت أعجوبةُ التّمثيلِ قَوامَها.

من العبقريّاتِ فوقَ الخشبة، أو من على الشّاشة، أقَلّونَ تمكّنوا من التّأثيرِ في جيلِهم، وما بعدَه، وكانوا قيمةً مضافةً في الفنِّ المُبتَكِر، لا مَجالاً خَلفيّاً فيه، ارتفعَ بُرجُهم بعزيمةٍ اغتَذَت بإحساساتٍ من شُغلِ القلب. من هؤلاءِ الأَفذاذ، فيليب عقيقيالذي فتحَ أبوابَ فَنِّهِ على ضِياءِ الشّمس، وعانقَ التّمثيلَ الذي ما لبثَ أن اشتدَّ ساعِدُهُ عندما حقَنَه عقيقي بجرعةِ إنعاش، ومارسَه بروحٍ ملتهِب، وأعلنَهُ بطاقةَ هويّتِهِ.

فيليب عقيقي متمرِّسٌ في صنعِ النّجاح، يفرضُ سيادتَهُ على الخشبةِ وكأنّ بينهما تَحَدِّياً. وسيادتُهُ ليسَت منحولةً، أو منحةً، أو أُعطِيةً من واهِب، فارتفاعُ مستوى موهبتِهِ، ومقدرتُهُ في الأداءِ البارِع، وثقتُهُ بنفسِه، قد منحَتهُ النَّصيبَ الأوفرَ في إنجازِ مكانتِهِ القياديّة، فخفضَت له الخشبةُ جناحَها.

إنّ مكوِّناتِ موهبةِ فيليب عقيقي قد أنتجَت لديهِ طائفةً من المهاراتِ الإبداعيّةِ، والإبتكاريّة، وذكاءً في إدارةِ الموقفِ، والوقت، في التّمثيل، ما شكّلَ مقاييسَ ثابتةً للتَعَرُّفِ الى الموهوبين. أمّا إنجازاتُهُ في فنِّ الأداء، والتي حافظَت على التَمَيّزِ، وإثراءِ العملِ التّمثيلي، فقد انطلقَت من دافعيّةٍ عاليةِ المستوى، ومن ساحةِ انتباهٍ واسعةٍ لِضَبطِ الذّات، ومن قدرةٍ متفوّقةٍ على نَقلِ الحالةِ المشهديّةِ الى العيونِ لاقتباسِها بالعَدوى.

والحقيقيةُ، أنّ فيليب عقيقي مسألةٌ فنيّةٌ صَعبةٌ ستبقى من دونِ حَلٍّ، لأنه لا يمكنُ الوصولُ الى تحديدِ خواصِها، لذا، قيل إنها ظاهرة، أو هي تاجٌ لنهضةٍ في فنِّ التّمثيل، بروحِها، وأسلوبِها اللَّذَين وصلا بهذا الفنِّ الى عهدِ القوة. مع كلِّ مشهدٍ يؤدّيهِ عقيقي، يفرضُ توقُّعاً، فدهشة، ربّما لأنّ الإندماجَ يفيضُ بِفِعلِ جاذبيّةِ الموهبة، وتلكَ ميزةُ الذين لا يسهلُ تعويضُهم، حيثُ أنّ كلَّ مشهدٍ له حالةٌ جريئةٌ متجاوزة، أو هو قطعةٌ من الإبتكارِ تُضَمُّ الى بلاطِ تراثِ التّمثيل.

فيليب عقيقي مسرحٌ في رَجُل، أغرانا بالإعتزازِ به ظريفاً، متمكِّناً، لم يكن بينه وبين المسرحِ والشّاشةِ سَدّ، فما تكلَّفَ ولا راوغَ، فجاءَت إطلالاتُهُ صَحواً، وصَفواً، ومجالاً رحباً، خارِقاً ثوبَ النّاسِ ليَدهنَ حالَهم بِزِيتِ الفرحِ، والإعجابِ، والرِّضى، والثّقةِ بأنّ الفنَّ في التّمثيلِ هو بألفِ خَير.وهل يستطيعُ عادِيٌّ تَدوينَ هذه الحالة، إلّا الذي يُشبِهُ مَنْ يعرفُ في السّباحةِ أنواعاً لم يُحسِنْها سِواهُ من سَمَكِ زمانِه ؟؟

فيليب عقيقي لبنانيٌّ لم يخرجْ عن عُرفِ الوطنِ الذي كانَ الأَعلَقَ بنفسِهِ لطهارتِها، فمحبّةُ لبنانَ، معه، تمتَّعَت بالشَّبَع. لقد تمادى في تعلّقِهِ بالأرض، وفي عصرِ الغربةِ، والتّزييفِ، كان يَثِقُ بأنّ الشّمسَ تعودُ باستمرار، بالرّغمِ من اللّيلِ الطّويل، وتَمَدُّدِ الظّلمة. ولا بُدَّ من زوالِ عرقلةِ عودةِ الوطنِ الى مساحاتِ الحريّةِ، والعدالةِ، والسلامِ، والإستقرار، فالمَسكونونَ بالولاءِ لن يتنازلوا عن قناعتِهم بأنّ لبنان، وإِنْ لم يَكُنْ مُوَضَّباً في علبةٍ مزيَّنة، هو، مع ذلك، هديّةٌ من الخالِق.

فيليب عقيقي هو الحيويّةُالعظيمةُ والمنضَبِطَةُ التي مردُّها الى تلك المقدرةِ الأدائيّةِ الرّشيقةِ التي لها، أبداً، فِعلُ الإيثار، وهذا شأنُ الكِبار. وهذا العملاقُ الذي ما قعدَت به هِمَّتُهُ حتى عَتِيِّ العمر، لا يخضعُ للمفاضلة، ففي ذلك إجحافٌ للمُفاضَلين، إذ كيف تجوزُ المقارنةُ بين الدِّرهَمِ والدّينار ؟

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *