هل ما زلنا نعرفُ الحب؟

Views: 428

 لميا أ. و. الدويهي

 

هل نستطيعُ بعد أن نُحبّ؟… هل لا زلنا نعرف كيف نحب؟… هل لا زلنا نفهم معنى هذه الكلمة؟ بالأحرى، هل كنَّا نفهمُ الحبَّ ومعناهُ أصلًا؟… هل نفهم قيمةَ التَّعالي على الجراح كي نبلغَ السَّلام مع مَن نعيش، في منازلنا، في مُحيطنا، في عملنا، في مجتمعاتنا أكانت صغيرة أم كبيرة؟ هل نُدركُ بأنَّنا لا نستطيعُ أن نكونَ دائمًا على صواب وبأنَّنا أيضًا نُخطئ وقد نتَّخذَ القرارات والمواقفَ السَّلبيَّة التي تجعلنا نتواجَه مع الأحبَّة، فقط كي نؤكِّدَ لأنفسِنا وللآخرين بأنَّنا مُحقُّون؟…

غالبًا ما نرفضُ الإقرار بأنَّنا، كي لا أقول أخطأنا، قد أسأنا الاختيار أو بأنَّ الرؤية لم تكن واضحة بما فيهِ الكفاية لاتِّخاذ القرار أو الموقف المناسب بأيِّ مجالٍ كان، أعاطفيّ، أم اجتماعيّ، أو حتَّى سياسيّ… وهنا تكمنُ المُصيبة لأنَّنا نظنُّ «بأنَّنا نفهمُ كلَّ الأشياء بدون استثناء»… والأبشع حين نبدأ بتوجيه الاتهامات حتَّى تطال النزاعات البيت الواحد فيقعُ الشرخ ويَنقسمُ البيت على نفسهِ…

لو نعودُ قليلًا إلى الأساس ونسأل أنفسنا هذا السؤال: «ماذا يُفيدُنا الدفاع عن هذه الفئة ضدَّ تلك؟… ومَن قال بأنَّ اختيارَنا لهذه الفئة ضدَّ تلك الفئة هو عينُ العقل أو الصَّواب؟…»

إن عُدنا قليلًا إلى الوراء، لوجدنا بأنَّ المشكلة تكمُن في مُعضلة وحيدة وواحدة: «محاولة إثبات الذَّات» وهذه المحاولة لا تنجح ولن تنجح ما لم نُظهر للآخرين، بمفهومنا الخاص المُتعلِّق بالأنا الداخليَّة لكلِّ منَّا، بأنَّنا مُحقُّون وبالتأكيد، هم المُخطئون…

وإن نظرنا قليلًا بعد أكثر إلى العُمق، لوجدنا بأنَّ المُعضلة تكمن في «النَّقص بالحب»، بالشعور بأنَّنا مَرذولون، لأنَّ أحدهم لم يمنحنا يومًا تلك القيمة التي نحتاجها لتنموَ شخصيَّتنا بطريقةٍ أقلُّه «سليمة»، وعادةً نحصلُ على تلك القيمة، مع الحبّ الذي يُغذَّي كيانَنا ويُنمِّينا أي مع الحبّ الوالدي، ثمَّ في المجتمع عندما يقبلنا الآخرون لما نحنُ عليه، الأمرالذي يعكسُ صورةَ الحبّ الأبهى في المجتمع… بيدَ أنَّنا نتصرَّف وكأنَّ الكونَ لا يَسعُ غيرنا، بينما هناك أمكنة عديدة للجميع، والمكان الوحيد الذي نحتاجُ إثباتَ أنفسنا فيه هو في «الحب»…

أمَّا في ما يختصُّ بمداواة النَّفس المتألِّمة، فوحدها قوَّة الخالق التي فينا تجعلنا ننطلق بهذه النَّفس من العُمق إلى صفحة الوجود في النَّفس ذاتِها، لتخطِّي مُطلق موقف، وهذا لا يعني بأنَّ هذه النَّفس لن تتعرَّض قبل بلوغِ هذه المرحلة لشعور بالنَّقص والخوف أو اضطرابات قد لا تنتهي على خير…

نحتاجُ أن نُحِبَّ وأن نُحَبّ، نحتاجُ أن نُصغيَ للآخرين وأن يُصغوا إلينا، نحتاجُ أن نقبلَ الآخرين وأن يَقبلونا… نحتاجُ أن نداويَ جراحاتنا بالحُب، بابتسامة حقيقيَّة، نابعة من العُمق…

أعلمُ بأنَّه يوجدُ أشخاص، عبثًا نحاولُ معهم، فأرواحهم ميتة في أجسادهم الحيَّة… وكأنَّ الخطيئة التي ارتاداها جَدَّي الخليقةِ بإرادتهما، قد أعادتهما إلى التُّراب وخطفَت منهما وهجَ السَّماء المُتجلِّي بالرُّوح، فكان لا بدّ من تقدمة «ذات الكلمة المتجسِّد» ليشتريَ الإنسان من جديد، ليس بالخلق الماديّ وإنَّما بالحبّ، أي بالخلقِ الرُّوحي…

آهٍ لو نبحثُ عن الحبّ، آهٍ لو نبحثُ عمَّا يجمعُنا بدلًا مِمَّا يُفرِّقُنا ويُخسِّرُنا…

فحينها فقط، يُضيء الحبُّ كالنيِّرات فينا ويتوهَّجُ، فيُغيِّرُ وجهَ الأرض، بل الكون من حولنا…

 

 ١٧ /١٠ /٢٠٢١

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *