ميشلين مبارك في “أنا بيروت”… امرأة القلق الدائم
مجلة الشاطئ
“أنا…بيروت” عنوان الديوان الرابع للشاعرة والكاتبة ميشلين مبارك، الصادر عن منشورات منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثقافي، يزين غلاف المجموعة لوحة الفنان طوني مسعد بألوانها الزاهية. مقدمة الديوان بقلم الشاعر والكاتب المبدع نعيم تلحوق. الاهداء إلى بيروت وما يعني للشاعرة هذا الانتماء حتى أصبحت هي بل وجميعنا بيروت. يقسم الديوان إلى أربعة أبواب: الباب الاول وطنيّات، الباب الثاني في الحبّ، الباب الثالث: رجاء الدّمع وختاماً ومضات شعرية. أمّا الغلاف الخارجي فكلمة الناشر بقلم الشاعرة ميراي شحاده الحداد.
أهدت الشاعرة ديوانها إلى بيروت، فبحسب قولها إنّ انتماءها إلى الأرض وإلى بيروت، ليس انتماء للجغرافيا أو للمكان بل هو انتماء إلى أصالة المدينة والروح الساكنة في النّور، إلى الحرية المنتفضة من رحم الأحزان، حتى أصبحت بيروت هي كل إنسان، هي كل الناس…
ولقد أبرز الشاعر نعيم تلحوق هذا الإنتماء في مقدمة الديوان والمتجسد في قلق الكاتبة التي توزعُ صورها وحروفها من القرية والبلدة والمدينة إلى رحاب الوطن، ومما جاء في مقدمة الديوان بقلم الشاعر نعيم تلحوق: ” لا يستقر قلم ميشلين مبارك على هدأةٍ، فهي دائماً محرورة على ايقاعات مختلفة… مرّة على إيقاع الشّعر، ومرّة على إيقاع الصحافة، ومرّة على إيقاع السرد التوجيهي، ومرّة على النثر التقريري، والخواطر، والحِكم…قلمُها مفعول في فاعل إسمه ميشلين مبارك…
تعثر في نص ميشلين على هذه الايقاعات، كأنها امرأة القلق الدائم، وهي إلى ذلك، تحتار بنفسها، كيف سيخرج العالم إليها بعد حين؟
تقاوم قلقها بفطرة الحياة، بحركة الطبيعة، بطبيعة الناس وطبعهم لكنها تبقى تنتظر الأجوبة لأسئلتها الكثيرة؟!

وعلى الرغم من قلقها تبقى ابتسامة ميشلين ترقص على خدّيها. المثابرة ديدنها، والفرح هويتها، والانتماء جوهرها… فهي في كتاباتها المتنوعة تعكس داخلها، والعمق يتجسّد رحابة حتى لو تغطى بالألم…
هو ما فعلته في “أنا…بيروت”، إبنة جبل لبنان تمارس تقواها بعلانيتها، بمفهومها المدني للوطن… تقرع جرساً هنا، وتؤذِّن حبّاً هناك… وهل يقبل مثقف أو فنان أن يكون بغير هذه الطينة ليكتب أدباً؟!
إبنة العائلة الروحية “لشهرياد” تقول “لشهريارها”، نحن واحد في اللغة والحياة…تمارس وعيها بإرادة العاشق، وتطرب لعشّاق آخرين يُسكرهم الحبر وتنشيهم المودّة والأقلام الحرّة…تنشط في الميادين الثقافية وتحررّ غضبها بمشاركات مع نصوص تأنس لجدّيتها وإبداعها…
في نصوص ميشلين صورة عن داخلنا المأزوم…عن رقعة الضوء التي نحتاجها لنتأمل غدنا…لنبصر أحلامنا المقطوعة من لوح جليدي ولتقدّم لنا في النهاية أملاً ووعداً بحقيقة العالم…المحبة…
“أنا…بيروت”، كلمات وحروف وصُور، موّزعة في الأذهان بجمال خلاسي، من القرية والبلدة والمدينة إلى رحاب فكرة الوطن الذي ننشده جميعاً…الحبيب الأول والأخير…
تعالوا نقرأ نصوص ميشلين لنشعل أمنية في فضاء الأغنيات…”
وقد كان لمنتدى شاعر الكورة الخضراء الثقافي عبدالله شحاده كلمة الناشر بقلم الشاعرة ميراي شحاده، أبرزت من خلالها الصور والدلالات الرمزانية والمجازات اللغوية التي يتمتع بها قلم الشاعرة مبارك، ومما جاء في كلمة الناشر: ” ميّاسٌ هو غيدُ حبرها على أجفان القصيدة، يترقرق خمريّ الشّعر من حنايا الدموع ويهمي صعوداً قدسيًّا في جداول الضوء حتّى يرسوَ متسامق الحروف، متبتّل الروح في رئتين من وطن وحبيب.
هناك حيث تلتئم كلّ الجراح وتصدح أناشيد الجمال في مقالع صورها الإبداعيّة ودلالاتها الرمزانيّة ومجازاتها اللّغويّة، في دوحة مشاعرها روّضت “ميشا” بحركة ديناميّة الألم والوقت والفراغ؛ روّضت الفصول وجميع الأوراق الواهنة وهزأت بالمحن مبتكرة منها قيامة مجيدة مرهصة بالحب والصّلاة والطفولة، عابقة بعطر أبجدياتها البلّورية… فهلّلت بصوت صارخ من الهناك، وأعلنت هويتها: “أنا…بيروت”.
تعالوا نقتفي سحر عناوينها ونلج ديوانها بأبوابه الأربعة: الوطن، الحبّ، رجاء الدمع وومضات كتبتها لتحيا… فنعبر معها “إلى الضّفة الأخرى” حيث النور ومعنى الوجود، حيث لا زيف ولا وجل. تعالوا إلى وليمة شعر من حبّ في وطن ظمئ للحبّ…”فجميعنا بيروت”. (https://www.kambioeyewear.com/)
ومن ديوان “أنا…بيروت” إختارت مجلة الشاطىء قصيدتين: الاولى من باب الوطنية والتي تحمل عنوان الديوان نفسه “أنا…بيروت”
أنا تلك المدينةُ
المبلّلةُ بالحزن
الهاربةُ من عبوديّة الحبّ
أحرُّر الليلَ من الابوابِ الموصَدة
وأكتبُ القصائدَ الشّريدةَ على جدران الذّكريات…
حرفكَ الصّامت يا شعبي
أزرعهُ في دروبٍ تحتفلُ بالضّوء
نحنُ نتقاسم جسور الماء والهواء
أسكنكَ وتسكنني…
والافقُ ينظرُ إلينا غير مبالٍ
تعالَ نحرّكُ الوقت عند بزوغ الدّمع
فرمالُ الجّوعِ متحركة…متشابكة
والنجومُ خائفة
وصدى صراخ الامواج في صدري…
الدّموعُ تشفي الأحزان
وحروفُك المضيئةُ تعيدُ للمدينةِ البهاء
فتعالَ…
تعالَ نحرّكُ الوقتَ عندَ بزوغِ الدّمع.
أمّا القصيدة الثانية التي تحمل عنوان “ربما” فتقول فيها الشاعرة مبارك:
ربّما يأتي
أخبرني دخان انتظاري
ومرارة قهوتي تُلهب أشواقي
ربّما لا يأتي
باحت لي أقدام العابرين
وقبلات المطر فوق رصيف الذّكريات
ربّما يأتي
ليته يعدني كما في أغنية فيروز
وإنْ كانت وعوده كاذبة
“تعى ولا تجي”…
ربّما لا يأتي
أوراق لهفتي تتساقط مثل زهرة المارغريت
وصمت هاتفي يختنق في سؤال كئيب
يأتي أم لا…
فاض الوقت فوق شفاه الفنجان
ذاب الحبُّ في قعر الانتظار…
من مجلة الشاطئ نبارك للشاعرة ميشلين مبارك إصدارها الجديد ونتمنى لها المزيد من التألق والابداع.