جورج طرابلسي: كل ما في الكون “سؤال” الجواب عليه سؤال

Views: 1436

دارين حوماني

جورج طرابلسي الصحافي المزمن، خمسون عاماً وأكثر عاشها في خدمة الصحافة، مدخله إليها الثقافة والأدب، تفاصيله محض ثقافية، وقلبه يتجاوز حياته بنى فيه عالماً واسعاً من الحب والأدب والكتابة.. شغل منصب رئيس الصفحة الثقافية في جريدة الأنوار ثلاثين عاماً الى حين صمت دار الصياد الأخير لكن جورج طرابلسي أصرّ على إستكمال طريقه فأطلق موقع “ألف لام” الإلكتروني..

في الحوار التالي يتحدث جورج طرابلسي عن مسيرته في مهنة المتاعب وفلسفته في الحياة بعد التجارب التي عاشها وتقييمه للمشهدين الثقافي والإعلامي اليوم، وقد سبق أن نشرت مقتطفات منه في جريدة “اللواء”.

جورج طرابلسي مع وفد نقابتي الصحافة والمحررين لدى زيارة الرئيس العماد ميشال عون بعد انتخابه رئيسًا للجمهورية

 

 

بعد أكثر من خمسين عاماً في خدمة الصحافة نسألك من أين جاءتك الصحافة؟

* أصابني سؤالك بنوع من انفصام الشخصيّة، شعرت معه بأنًّ في داخلي جورجين مختلفين، أحدهما يعترف بالروزنامة والآخر ينكر أساس وجودها. الأول: هو الجسد، المادي الملمس، المحدود الأبعاد، أسير المقاييس، والخاضع لدورة المواسم وسلطة الزمن. والثاني: هو المحبَّة، والشعاع المطلق، المنبعث من النُّور، المنطلق من الحرف، المنبثق من الكلمة/الله، ما دفعني إلى التساؤل “أي منهما يجيب”؟ لكن، كون الصحافة هي (في الأساس) بنت الكلمة، وهي فعل محبّة، ومنارة فكر ومعرفة، فبدهيّ أن أترك الجواب لـ الذي على صورة الله ومثاله، وأقول إنَّ الصحافي كالشاعر، إذا لم يولد صحافيًا فلا يمكن أن يكون، لا بعد خمسين عامًا، ولا حتى بعد خمسين مليون عام. وأجزم، جوابًا، على أنَّ الصحافة لم تجئ إلي، ولا أنا ذهبت إليها، بل فتحتُ عينيَّ على الدنيا وأنا أحمل أوراق نفوسها، أبي القلم وأمي المحبرة وحياتي صفحات، صفحات وصفحات…

وفد دار الصياد قرب السفارة المصرية- بيروت في  مسيرة – جنازة الرئيس جمال عبد الناصر

 

ماذا أعطتك الصحافة، وهل  ثمّة شيء ما أخذته منك، وهل فكرت في كتابة مذكراتك معها؟

*لم تعطني الصحافة شيئًا ولم أعطها أي شيء، كل ما في الأمر هو أننا تخطينا العلاقة التقليدية إلى الاتحاد أبديًا في دائرة المحبّة، التي “لا تعطي إلا نفسها، ولا تأخذ إلا من نفسها”، لأن الصحافة مكتفية بالصحافة… أما التفكير في كتابة مذكّراتي فأمر غير وارد، لأن في أي “مذكّرات شخصيَّة” نوعًا من الأنانيّة، وهي صفة بعيدة كل البعد عن قناعاتي الذاتيّة، لذلك، استبدلت الـ “أنا” بالـ “نحن”، وعملت على إعداد كتاب فريد بعنوان “علَّمتنا الحياة”، يصدر قريبًا، ويضم بين دفّتيه دروسًا تعلّمها 365 لبنانيًا من فئات ومستويات مختلفة،  ما يجعله “مرآة تعكس اختبارات الوجدان اللبناني في عمق تفكّره أمام واقعه، انطلاقًا من ماضيه وتاليًا آليات تطلّعاته نحو الآفاق الجديدة التي يمكن أن يحملها المستقبل”، على حد تعبير مقدِّمته الأديبة الدكتورة ناتالي الخوري غريب.

جورج طرابلسي ودارين حوماني

 

كنت مسؤولاً عن الصفحة الثقافية في جريدة “الأنوار” لأكثر من ثلاثين عاماً، كيف هو جورج طرابلسي الآن بعد توقف “الأنوار” عن الصدور؟

*زادتني العتمة إيمانًا بقدسيًّة النُّور، لذلك فإنَّني أحاول تحويل قلمي إلى عود ثقاب، أضيء به شمعة الحق والخير والجمال، بدلًا من لعن ظلمة الذين اطفأوا “الأنوار” ظلمًا، وحوَّلوا حِبر الفكر إلى بحر من الحزن والقهر…

في شتورا عام 1969، جورج طربلسي في الوسط يتحدث مع فكتور عقل مسؤول العلاقات العامة  والإعلانات في دار الصياد خلال تحضير عدد خاص لمجلة الشبكة عن المطاعم والفنادق.

 

كتبت مقالاً قصصياً عن أزمة الصحافة بعنوان “دمعة وإبتسامة” ختمته ب “الموت مش عيب” ماذا يقول جورج طرابلسي للمتخرجين حديثاً من كلية الإعلام الذين ينتظرهم مستقبل ضبابي ومحزن في ظل الواقع المأسوي لحال الصحافي كما تصفه؟

* “العَيْبُ” في المعاجم هو وصمةٌ، أو نقيصةٌ، أو شائبةٌ، أو مَذمَّةٌ، أو عورةٌ، فهل ترى حبّة القمح في واقع موتها عيبًا، أم أنها ترى فيه سنابل خير، ومواسم بركة، وحياة تضج بالحياة؟  حتى في الفيزياء “لا شيء يزول، كل شيء يتحوَّل”، وتختلف مع هذا التحوُّل كل أسس التواصل والحس والإدراك، اختلافًا جذريًا، بحيث قد نضطر إلى إستبدال البصر بالبصيرة، وإلى استخدام التخاطر بدلًا من الكلام، واعتماد الحركة الفكريّة بدلًا من الحركة الماديّة، ليس حصرًا بل على سبيل المثال… واستطرادًا، فإنَّ كلمة الموت المستخدمة في المقالة أتت بمعنى التحوُّل من حال إلى حال، كتحوُّل الحلم إلى كابوس، وليس أكثر…

أعود إلى مقالة “دمعة وابتسامة”، لأقول إنَّها قصة قصيرة كُتِبَتْ قبل حوالي السبعة أشهر من نشرها في  مجلة “أورا” بتاريخ 30 تموز الفائت، ولم أكن أتصوّر أن تتحوّل وقائعها “المتخيّلة”، بعد شهرين بالضبط (أي في نهاية أيلول 2018) إلى مأساة طبق الأصل للتراجيديا الحقيقية التي نمر بها اليوم… وهي (للتذكير فقط) استُهِلَّتْ بالقول إنَّ “نبيل” (بطل الاقصوصة) حصل “على لقب رئيس تحرير، فهرع إلى السوق لشراء بذلة جديدة وقميص وربطة عنق تليق بالمقام، تمهيدًا للاحتفال بالمهمة الجديدة وتلقّي التهانئ في هذه المناسبة السعيدة”. وخُتِمَتْ بالقول: “ويبدو أن هواجس نبيل (“الصحافي الآدمي”، أو “الغشيم” بالمفهوم السائد، كونه لم يستغل مركزه ولم “يدبّر حاله” على الطريقة المعروفة) كانت في محلها، إذ أنَّ قرار صرفه من الخدمة كان أسرع من فرصة إرتدائه البذلة الجديدة لتلقي التهانئ باللقب، الذي أفنى خمسين عامًا من عمره للحصول عليه… الصدمة أصابت “الآدمي” بأزمة قلبية حادة، وقيل إنه روى لمسعفيه في غرفة العناية الفائقة، قصة شاب اشترى سيارة رياضية مكشوفة، ملأ خزَّانها بالوقود وقادها بسعادة غامرة على اوتوستراد سحري ظهر أمامه لحظة خروجه من مرآب الشركة، وفجأة، وفي قمة فرحه بـ “مشوار العمر”،  تبيّن له أنَّ الأوتوستراد مسدود بجبل شاهق، ومحاط عن جانبيه بالوديان السحيقة، والضوء الأحمر في “تابلو” سيارته ينذر بفراغ خزان الوقود. وقبل أن ينهي قصته، ذرف نقطة حبر، حفرت على بلاطة ابتسامته عبارة “ولا يهمكم… الموت مش عيب”…”، وهي مستوحاة من عبارة “الشغل مش عيب”، المعروف متى تستخدم أو تقال.

وعليه، أقول إلى خريجي الاعلام: “امشوا على ضو”، لا تضعوا البيض كلّه في سلّة واحدة، لا تغرنّكم الألقاب والشعارات الجوفاء، لا توقِّعوا على أي ورقة قبل استشارة محام أو أكثر، لا تقبلوا بقبض راتب مجزّأ (تحت الطاولة و/أو فوقها)، لا تدعوا الحاجة إلى الوظيفة تجعلكم تقبلون اليوم بما يمكن أن تندموا عليه غدًا… وأهم الأهم إدراككم أنَّ الإعلام هو مهنة كسائر المهن، لا يكون “رسالة” إلّا إذا كان حرًّا، ماديًا ومعنويًا. لذلك، وقبل انطلاقكم بـ “سيارتكم الجديدة”، القوا نظرة دقيقة على “الاوتوستراد” المفتوح أمامكم، وتأكدوا من نهايته قبل تأكدكم من بدايته، لأن أعظم ما في الحياة ليس بدايتها، بل نهايتها، التي عليكم السعي إلى جعلها سالمة، هانئة، آمنة، وسعيدة…

جورج طرابلسي مع كارلوس معلوف حاكم ساو بالو خلال لقاء معه عام 2003 في  فندق فينيسيا وإلى يساره الصحافية نهاد طوباليان

 

أنت عضو في مجلس نقابة الصحافيين، هل تجد أنه يجب أن يكون للنقابة دور في أزمة الصحافة؟

*أنا عضو منتخب في مجلس نقابة الصحافة منذ أكثر من 12 عامًا، ممثلا مجلّة “الصيّاد” بصفتي رئيسًا للتحرير فيها، وأرى ردًا على سؤالك أنَّ الأزمة ليست “أزمة صحافة” كما تصفينها، بل أزمة تتعلق ببعض أصحاب الصحف، الذين قرروا اغلاق صحفهم لأسباب خاصة، غير ماليّة، لا مجال هنا لتفصيلها، ما أدى إلى صرف العاملين فيها، الأمر الذي فجَّر أزمة جديدة، هي “أزمة مصروفين”، تتطلّب تدخُّل أكثر من نقابة لعلاجها، في طليعتها نقابة المحررين، إلى جانب نقابات المصوِّرين والمخرجين وعمال المطابع وغيرها. أمَّا دور نقابة الصحافة فيقتصر، في هذه الحال، على لعب دور الوسيط الساعي إلى تقريب وجهات النظر بين طرفي الأزمة، على أمل حلّ الأمور حبيًا بهدف إعطاء كل ذي حق حقّه. واستطرادًا أقول لو أنَّ الأزمة كانت “أزمة صحافة ورقيَّة”، كما يزعم البعض، لكانت الصحف قد استمرّت في الصدور الكترونيًّا ولما كانت هناك –من الأساس- أزمة مصروفين.

مع مجلس نقابة الصحافة بعيد انتخابه

 

 بصفتك كنت مسؤولاً عن الصفحة الثقافية في جريدة الأنوار، نرى أنك كنت تعطي مساحة واسعة لكتّاب قصيدة النثر، وهل أن الحالة المتكاثرة من النصوص المبوّبة “شعر” أضرّت بالشعر في مكان ما؟

*البشر قصائد إلهيَّة كتبها الله ونشرها على صفحات هذه الدنيا بمقاييس وأشكال مختلفة، فهل أضرّت كثرتها بجوهر الخلق، أو أضر بهذا الجوهر اختلاف الشكل والقياس واللون؟ 

إنًّ الطبيعة هي أجمل “دواوين” الله وأكثرها إبداعًا، وفيه (أي في ديوان الطبيعة) نجد السوسنة والأرزة، الوادي والجبل، الزهرة والشوكة، الكثيف واللطيف، إلى جانب أعداد هائلة، من المتناقضات، التي كلما كثرت أكسبته المزيد من الفرادة والجمال، انطلاقًا من الحكمة القائلة إنَّ “التناقض يصنع الكمال”، وهو ما حاولت تطبيقه في الصفحة الثقافية، التي أشرفت على اعدادها بذهنيّة “الجنيناتي”، الذي يسعى عبر الإكثار من تنويع الشتول والأغراس في حديقته إلى إضفاء طابع جمالي عليها، والحلم بتحويلها –مع الأيام- من جنينة إلى جنّة.

مع مجلس نقابة الصحافة  في زيارة  البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في بكركي

 

ما هي رؤيتك للمشهد الشعري في لبنان؟

*أرى تخمة في الـ “شعراء” ومجاعة في الـ “شعر”…

ضمن وفد نقابة الصحافة معزيًا بالبطريرك مار نصرالله بطرس صفير

 

تفاصيل جورج طرابلسي محض ثقافية، لماذا اتجهت في الصحافة نحو الثقافة ولم تدخل باب السياسة؟ وهل ترى أنه من مسؤولية الشاعر أو المثقف بشكل عام أن يدخل باب السياسة في مكان ما؟

* “تفاصيل محض ثقافية”، توصيف قد يكون صحيحًا بالنسبة إلي، إذا تلافينا الخطأ الكامن في الاعتقاد السائد بأنَّ الثقافة تقتصر على الشعر والأدب وما يدور في فلكهما من علوم وفنون جميلة، فالثقافة، بمفوهمها الحقيقي، وسيلةٌ تعمل على الجمعِ بين الأفراد عن طريق مجموعة من العوامل، تأتي العوامل السياسيّة في طليعتها، تليها الاجتماعيّة والفكريّة والمعرفيّة وغيرها. وتُعرفُ الثقافة لُغةً بأنّها كلمة مُشتقة من الجذرِ الثلاثيّ “ثَقَفَ”، فيقالُ: ثقافُ الرّماح بمعنى تسويتها وتقويم اعوجاجها، وأيضاً تُستخدمُ مع تثقيفِ العقل ومن معانيها ما يفيدُ الحذق والفطنة والذّكاء، والثّقيفُ هو الفطينُ، وثَقفَ الكلام أيّ فَهمَهُ بِسرعة.

وتوضيحًا أقول إنًّ الإشراف على “الصفحة الثقافيّة” في “الأنوار” لم يكن يُشكٍّل أكثر من عشرة في المئة من مهامي كرئيس تحرير في “دار الصيَّاد” أساهم في مطبوعاتها كافة، السياسيّة منها وغير السياسيّة أيضًا، علمًا أنٍّ وظيفتي في خلال السنوات العشرين الأولى اقتصرت على العمل في القسم السياسي، بشقّيه المحلّي والدولي، قبل ابتكاري لما أصبح يُعرف في الصحافة العربيّة بـ “الصفحة الأخيرة”، التي كانت “الأنوار” سبّاقة في تبنّي فكرتها واطلاقها، وبعدها شاء القدر أن أتسلّم مسؤوليّة “الصفحة الثقافيّة” في إثر رحيل الشاعر والفنّان التشكيلي رياض فاخوري، حين اتصل بي رئيس التحرير ميشال رعد طالبًا مني تولّي أمر إعدادها “لمدة يومين تلاتي” (على حد تعبيره) ريثما يتم تأمين بديل أصيل عن المرحوم رياض… وقد مضى على الـ”يومين تلاتي” أكثر من ثلاثين عامًا، وانطفأت “الأنوار”، وما زلت حتى الساعة “بديلًا موقّتًا” في انتظار تأمين البديل الأصيل!..

مع متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عوده في افتتاح متحف سرسق

 

ما هو دور الأديب في عصرنا؟

*دور الأديب هو دور المثقّف، فهما وجهان لعملة واحدة…

أطلقت أخيرًا موقع “ألف-لام” الالكتروني، وهو إنجاز حقيقي واستمرارية لجورج طرابلسي، لكن كيف هي علاقتك الشخصية مع الإعلام الإلكتروني؟ 

*لا تختلف العلاقة مع الإعلام الإلكتروني عن العلاقة مع وسائل الإعلام الأخرى، المقروء منها أو المرئي والمسموع، إلا في كونه الأحدث، والأكثر تطورًا وشموليّة وجمعًا لكل الوسائل الاعلاميّة آنفة الذكر، بما فيها الورقيّة، مع تعديل طفيف، يتمثّل بالغاء الطباعة المسبقة، التي كان يقوم بها الناشر، ووضعها بإمرة القارئ/المتصفِّح، الذي بات يطبع بكبسة زر ما يريد الاحتفاظ به ورقيًا من الأخبار والمواضيع المنشورة في الصحيفة الالكترونيّة.

وأستدرك هنا لأقول، إنَّ الصحافة الالكترونيّة لا تلغي الحاجة إلى الصحافة الورقيّة، إذا عرف الناشر كيف يستغل الوسائل الالكترونيّة الحديثة ويضعها في خدمة صحيفته الورقيّة، التي يجب أن تتفرّد بمحتوياتها، وعدم نشر هذه المحتويات على الانترنت، إلا بعد مضي أكثر من 12 ساعة على صدورها.

يبقى أنَّ ما يجمع وسائل الاعلام كلها هو المطبخ (مطبخ الأخبار)، الذي تتوزّع منه الاطباق المختلفة،  ويتوقف على كبير الطهاة أمر إرضاء الزبائن، الذين يحكمون له أو عليه، سلبًا أو إيجابًا، إستنادًا إلى نوعيّة الأطباق المُقدّمة اليهم ومذاقها، وليس –بالتأكيد- على اساس شكل الـ “Menu” (قائمة الطيّبات) الموضوعة على موائدههم. 

مع مطران بيروت للروم الملكيين الكاثوليك سابقا كيرللس بسترس والنائب نقولا الصحناوي

 

هل هناك مواضيع كتبتها في الجريدة لا تنساها وتفكر في جمعها في كتاب وخصوصاً أنها غير متوفرة إلكترونياً ويصعب على الجيل الحالي الاطلاع على مخزونك الصحافي والثقافي؟

*كثيرة هي المقالات والمواضيع التي لا يمكن أن أنساها والتي كنت اتمنى أن أجمعها في كتاب، لكنني –للأسف- فقدت أرشيفي خلال الحرب، ولم أبادر على الفور إلى استنساخها من أرشيف “دار الصيّاد”، الذي تعرّض قسم كبير منه، في وقت لاحق، للتلف بسبب الفوضى والإهمال والحريق وتسرّب المياه، وعندما قررت التركيز على إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فوجئت بإغلاق أبواب الدار واطفاء “الأنوار”… وبت أركّز على محاولة انقاذ ما تبقى من أوراق روزنامة حياتي.

وهنا اتذكر حكاية فنّان شهير رسم عجوزًا يحمل سلّة عنب، ومن شدة براعته في رسم عناقيد العنب، كانت العصافير تحط على السلّة محاولة نقد حبّاتها… لكن الناس فوجئوا بقيامه بتمزيق اللوحة ورميها في سلّة المهملات، وعندما سألوه عن السبب، أجاب: “لأنني فشلت في رسم العجوز، الذي لو نجحت في رسمه لخافت العصافير ولم تجرؤ على الاقتراب من السلّة”.  

لذلك، فإنني لست نادمًا على ضياع مقالاتي، لأنها لو كانت ناجحة لما بقي الوضع في لبنان على ما هو عليه، وأقلّه، لما ازداد سوءًا…

مع مفتي ​الجمهورية​ ال​لبنان​ية ​الشيخ عبد اللطيف دريان​

 

كأديب ومفكّر من هو أستاذك الأول في الفكر وفي الأدب، ومع من يتقاطع جورج طرابلسي من الأجيال الأدبية والفكرية السابقة والحالية؟  وما هو نهجك في الكتابة؟

*قبل الإجابة أسارع إلى الجزم بأنني لست أديبًا ولست شاعرًا وبالتأكيد لست مفكرًا، بالمقياس العلمي أو الاكاديمي لهاتين الصفتين، فأنا صحافي فقط، و”نقطة عالسطر”…

نهجي في الكتابة هو “السهل الممتنع” و”البساطة التي تصنع الجمال”، وقد تأثرت بثلاثة كتّاب وثلاثة كتب: الكتّاب هم: جبران، مارون عبّود وفؤاد سليمان. أما الكتب فهي: يدا أبي، وجه أمي، والمرآة…

وتبقى المرآة أعظمها، لأنني، كل يوم، أقرأ فيها درسًا جديدًا من دروس الحياة…

مع وفد نقابة الصحافة في زيارة قائد الجيش العماد جوزف عون

 

هناك دعوة إلى الحداثة بجوانبها المتعددة من قبل مثقفين عديدين، فيما يرى آخرون أن العالم العربي قد أنجز هذه الحداثة ويتحدثون عن ما بعد الحداثة؟ أين نحن من الغرب ومنها؟

*ألغت الانترنت العوالم القديمة من أساسها، وبالتالي لم يعد هناك وجود لعالم عربي، أو عالم غربي، أو عالم شرقي وآخر شمالي وثالث جنوبي… حتى أنَّ الشبكة العنكبوتيّة أزالت أيضًا مفهوم العالمين الأرضي والفضائي، محت الحدود الماديّة، وأدخلت الجميع في ثقافة ما بعد الحداثة، ثقافة “العالم الرقميّ”… حضارة واحدة، ينحصر فيها الصراع بين الذكاءين البشري والروبوتي، الذي يتوقَّع أن يتطور بسرعة خيالية، تؤهله لمصالحة البشر والتزاوج معهم، وإنجاب أجيال هجينة، بأشكال جديدة، قابلة للتغيير والتبديل، بحيث يصبح بإمكان الفرد أن يشتري من أي متجر الشكل الذي يريده، وينقل اليه “عقله” المحفوظ على شريحة الكترونيّة، تمامًا كما تتم اليوم عمليات نقل المعلومات من الكومبيوتر إلى شرائح الذاكرات الاصطناعيّة… وستقفل المدارس والجامعات أبوابها، وسيحلّ التخاطر محل الكلام، وتتبدل مفاهيم الحب والكره والخير والشر والكفر والإيمان، ويزول “الوقت” وتزول المسافات، ويتحوّل كل ما في الكون إلى “سؤال”، الجواب عليه سؤال: من أنا؟!

مع وفد نقابة الصحافة في  زيارة اللواء عماد عثمان مدير عام قوى الأمن الداخلي

 

مع الأمين العام السابق لوزارة الخارجية السفير فؤاد الترك

 

مع نقيب الصحافة السابق محمد البعلبكي وزوجته خلال مأدبة غداء أقامها نائب نقيب الصحافة جورج سكاف في دارته في زحلة ويبدو إلى يسار الصورة

 

في بداية ثورة الأرز 2005 رافعًا دومًا وأبدًا العلم اللبناني

 

  ****

(*) الصورة الرئيسية: الإعلامي جورج طرابلسي في مكتبه في دار الصياد سابقًا

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *