نقيب محرري الصحافة والعمل الرسولي

Views: 420

*جورج طرابلسي

دعا مجلس نقابة محرري الصحافة اللبنانية الجمعية العمومية إلى عقد دورة إنتخابية عامة في قاعة المؤتمرات في مقر الاتحاد العمالي العام الكائن في منطقة كورنيش النهر،لإنتخاب مجلس نقابة جديد نهار الأربعاء الواقع فيه الأول من كانون الأول 2021 الساعة التاسعة صباحا. والسؤال الذي تطرحه هذه الدعوة: من هو الأكثر جدارة لحمل المشعل النقابي في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد، وما هي الصفات الواجب توفّرها في المرشّح لمنصب النقيب، الذي سيكون أحد ركنَي ما يسمّيه البعض “السلطة الرابعة”، فيما يصرّ البعض الآخر (وكان في طليعتهم نقيب الصحافة الراحل محمد البعلبكي) على تسميته “السلطة الأولى”، بخاصة في خضم انهيار الدولة وانتشار الفوضى، كما هي الحال في هذه الأيام؟

في اجتماع المنظمة العالمية للصحافيين (OIJ) – هراري- زيمبابوي

 

خدمة الوطن

عام 1938 ألقى مؤسس جريدة “النهار” جبران التويني محاضرة في الجامعة االأميركيّة، أجاب فيها عن سؤال: كيف أخدم بالصحافة وطني لبنان؟”. ومما قاله: إن على الصحافي أن يدافع عن استقلال وطنه، وعن الحياة الدستوريّة فيه، لأن الحكم الدستوري هو الوسيلة الوحيدة للدفاع عن الحريّات، إضافة إلى التزام سياسي آخر بأن يحافظ على استقلاله الشخصي، وكرامته الذاتيّة، واستقلاله ربما حتى عن صاحب الصحيفة التي يعمل فيها، إلى جانب اهتمامه بأخلاقه الشخصيّة. فإذا لم يتمتع بالأخلاق الحميدة لا يستطيع أن يخدم قضايا بلاده”.

مع البابا شنوده في القاهرة وبدا الزميل منير نجار

 

إجابة مؤسس “النهار” هذه أوردها الزميل إدمون صعب في كتابه ” العهر الإعلامي” (دار الفارابي، الطبعة الأولى 2018، ص 48)، وأتبعها بالفقرة الآتية: “وبعد أكثر من قرن على محاضرة جبران تويني في بيروت، ألقى ابنه غسّان، الذي خلفه في رئاسة تحرير “النهار”، محاضرة في حلقة دراسيّة عقدت عام 1972 في إحدى جزر الأدرياتيك، بدعوة من جامعة ميشيغن الأميركيّة والمركز الدولي للصحافيين في سويسرا، ومما قاله، معرِّفًا الصحافي: “إنه رسول في الدرجة الأولى”، وإن “مهنة الصحافة رسوليّة، تشبه ما قام به رسل المسيح قبل أكثر من ألفي سنة”.  وأضاف: “قبل ألفي سنة خلت، مارس أربعة رجال يدعون حنا ومتى ومرقس ولوقا نوعًا من الصحافة لم يظهر ما يساويها منذ ذلك التاريخ، منطلقين من عبارة سيدهم يسوع المسيح: اعرف الحق والحق يحررك. و”هذه الكلمات الثلاث: المعرفة، والحقيقة، والحريّة، هي ركائز المهنة الصحافيّة”.

في اجتماع لمجلس النقابة برئاسة النقيب الراحل ملحم كرم

 

“وجه الأمة وخلاصها”

في أواخر سبعينيّات القرن الفائت، دعا فؤاد افرام البستاني في مقالة كتبها في مجلة “الصحافة اللبنانيّة” لمناسبة صدور عددها الأول، تحت عنوان “معهد الصحافة”، معتبرًا الصحافة “وجه الأمة وخلاصها”، لذا لا بد من انشاء معهد للصحافة من ضمن مشاريع الجامعة اللبنانيّة لنيل طلبته الأهلية العلميّة والوطنيّة والخلقيّة الضروريّة للاضطلاع بهذه المهنة الخطيرة.

وقد تحققت أمنية البستاني سريعًا، حيث تمّ وضع الحجر الأول لكليّة الاعلام مع صدور المرسوم التنظيمي في 5 تشرين الأول 1967 لـ «معهد الصحافة»، الذي دُشّن في تشرين الثاني 1969، ثم جرى تعديل تسميته ليصبح في 24 أذار 1975 “كلية الاعلام والتوثيق”، التي خرّجت عددًا كبيرًا من “رسل المعرفة والحقيقة والحريّة”، من أبرزهم الزميل جوزيف القصيّفي، الذي كان طليع دورة 1979 وأضاف شهادته في الاعلام إلى إجازة تعليميّة كان قد حصل عليها سابقًا في اللغة العربية وآدابها من كلية التربية في الجامعة اللبنانية أيضًا، الأمر الذي مكّنه من تبوؤ أعلى المراتب في بلاط صاحبة الجلالة الصحافة، بدءًا من عمله مندوبًا، مراسلاً، محرّرًا وكاتبًا، في عدد كبير من الصحف والمجلات اللبنانية، منها: “البيرق”، “السفير”،”النهار”، “العمل “، “الاحرار”، “الديار”، “الحياة”، و”الكفاح العربي” وفي مجّلتي “الحوادث ” و “La Revue du liban”، اضافة الى عدد من المجلات والصحف العربية الصادرة في الخارج ومنها “التضامن” التي كانت تصدر في لندن، و”الشرق” القطرية”، و “الخليج ” الاماراتية .

مع أركان اتحاد الصحافيين العرب في الجبل المطل على صنعاء

 

وقام القصيّفي بتغطية النشاطات السياسية المتنوّعة لحساب عدد من وكالات الأنباء المحلية منذ العام 1972 وحتى العام 1981، ومنها: “وكالة أخبار لبنان” و”وكالة الأنباء المصوّرة” و”وكالة الأنباء الصحافيّة”. وعمل في اذاعة “صوت لبنان” من دون انقطاع من صيف العام 1975 حتى كانون الثاني من العام 1986، فكان مراسلا ومندوبًا ومذيعًا ومحررًا في آن. كما كان مسؤولا عن نشرات الصباح والآحاد وحققّ خلال عمله في الاذاعة غير سبق صحافي كان له الوقع والدويّ محليًا،عربيًا وعالميًا.

ممثلا النقابة في إحدى المناسبات

 

وشارك القصيّفي في عدد كبير من المؤتمرات النقابية والمهنية بصفته ممثلا لنقابة محرري الصحافة في في لبنان، وقد مثلها وشارك بمؤتمراتها واجتماعاتها في البلدان الآتية: سوريا، مصر، الاردن، اليمن، العراق، تركيا، زيمبابوي، بلغاريا، تشيكيا، اسبانيا، فرنسا، ايطاليا .وأشرف في العام 1993على دورة لتدريب الصحافيين العرب في جامعة صنعاء منتدبًا من قبل المنظمّة العالمية للصحافيين .وترأس عدداً من اللجان المهنية المنبثقة من نقابة المحررين وقدّم عددًا من التقارير، لعلّ أهمها ما يتعلّق بضرورة تطوير كلية الاعلام والتوثيق الذي أقرّته النقابة ورفعته الى عميدها الدكتور حسن صعب في العام 1978.

يوبيل كليّة الاعلام الذهبي

عام 2018، احتفلت كليّة الاعلام والتوثيق بمضي خمسين عامًا على تأسيسها، وقد تزامن هذا اليوبيل الذهبي مع إحتفال محرري الصحافة اللبنانيّة بإنتخاب زميلهم جوزيف القصيّفي بالاجماع نقيبًا (بعد معركة انتخابية خاضها مع زملائه في المجلس في السادس من كانون الأول 2018 وسادها التنافس الشديد) بإعتباره خير من يمثّلهم في هذه المرحلة الدقيقة وخير من يحمل مشعل “الدفاع عن استقلال وطنه، وعن الحياة الدستوريّة فيه”.

مع الشاعر سعيد عقل والاعلامي ريكاردو كرم، والناشطة الاجتماعية ديان منصور

 

وبالفعل، لم يتأخر القصيّفي في الارتقاء بالعمل النقابي إلى مستويات غير مسبوقة، محوِّلا بسرعة قياسيّة ما كان حلمًا إلى واقع ملموس، لم يكن أحد من المنتسبين إلى الجدول يتصوَّر حتّى إمكان تحقيقه في هذه الظروف الصعبة. ومن هذه الانجازات، التي حققها مجلس النقابة في أثناء ولاية النقيب القصيّفي، نذكر:

  • إدخال المسجلين على الجدول النقابي من غير المنتسبين للضمان الصحي في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، من خلال إقتراح قانون لعشر كتل نيابية، وقد أقرّته لجنة الاعلام النيابية، وهو قيد المتابعة في المراحل المتبقية بغرض انجازه قريبًا.
  • الحضور الدائم في الاستحقاقات والدفاع عن الحريات. والتصدّي لأيّ اعتداء تعرّض له الصحافيون والاعلاميون خصوصًا في مرحلة الإنتفاضة ورفض مثول الصحافيين والاعلاميين أمام مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، والاصرار على أن تكون مرجعية هؤلاء لدى مقاضاتهم محكمة المطبوعات فقط. وهذا ما حصل.
  • الدفاع عن الصحافيين ومواجهة الصرف الجماعي والافرادي في عدد كبير من المؤسسات، ومتابعة قضاياهم.
  • قانون الاعلام، والتركيز على ايجاد سوق اعلامي يؤمن فرص العمل، ويحمل رؤية مستقبلية لدور الاعلام، وفي سبيل دعم هذا القانون تمت دعوة ممثلي 24 حزبًا لبنانيًا في النقابات لشرح توجهات النقابية للقانون، وتشكيل لوبي دائم في مجلس النواب.
  • تقديم المساعدات في إطار الامكانات التي توافرت للنقابة للمتضررين من الزملاء جرّاء انفجار مرفأ بيروت.
  • مواكبة حملة التلقيح ضد “الكورونا” وتقديم المواعيد والمراجعة الدائمة للهيئات المختصة بهذا الملف.
  • الاجتماعات الدائمة للنقابات العاملة في القطاعات الاعلامية والتنسيق الدائم في ما بينها.
  • إحياء اتحاد نقابات المهن الحرة بمبادرة من نقابة المحررين، والتعاون الدائم مع الاتحاد العمالي العام انطلاقًا من الدور الوطني للنقابة في التصدّي للانهيار الحاصل على كل المستويات.
  • قيام النقابة بتقديم الكثير من الخدمات العملانية والمعنوية لتسيير أمور الزملاء بدءًا بالمساعدات الطبية والاجتماعية الطارئة ضمن إمكاناتها المتواضعة، وصولاً الى تأمين حرية التجول خلال فترة خطرة بسبب جائحة الكورونا.
  • – إقرار جميع طلبات الانتساب المقدمة الى النقابة والمستوفاة الشروط القانونية. وقد تحققت خطوات نوعية على هذا الصعيد باستيعاب العاملين في الاعلام المرئي والمسموع والالكتروني.
  • – الدعوة في آب 2019 إلى تظاهرة حاشدة للصحافيين والاعلاميين انتصارًا للمهنة وحرية العاملين فيها وحقوقهم المادية والاجتماعية، اتجهت إلى ساحة الشهداء وتحلّقت حول التمثال الذي يرمز اليهم، علمًا أن معظم المشاركين كانوا من الصحافيين وحملة الأقلام.
مع الرسام اللبناني العالمي صليبا الدويهي في نيويوك

 

رحلة القصيّفي النقابيّة

وكان القصيّفي قد انتسب الى جدول نقابة محرري الصحافة اللبنانية في 23/ 10/   1977 وشغل منذ العام 1979 وحتى العام 1981 منصب مستشار النقابة لشؤون العلاقات العامة والخارجية. وانتخب عضوًا في مجلس نقابة المحررين للمرة الأولى في 3/ 2/ 1982 ، وتكرّر انتخابه في ما بعد .وانتخبه مجلس النقابة أمينا للصندوق في العام 1993 ثم في العام 1997 حتى عام 2012، ثم انتخب اميناً للسر في 1/ 6/ 2012. وانتخب في 27/ 11/ 1991 عضوًا في المجلس التنفيذي عن الدول العربية في المنظّمة العالمية للصحافيين ( (OIJلمدة خمس سنوات، وعضوًا في لجنة الدستور المنبثقة من المنظمّة وعضوًا في لجنة صياغة مشروع ميثاق الشرف الاعلامي العالمي المقترح من قبلها “1989-1992. “

إلى ذلك، شارك منفردًا أو في عداد وفد في مؤتمرات اتحاد الصحافيين العرب .وحاز على عضويّة اللجنة الدولية المنبثقة من المنظمّة العالمية للصحافيين المكلّفة التدقيق في أوضاع الاعلاميين في “الدومينيكان” و “نيجيريا” و “الجزائر” و “الكونغو” و “يوغسلافيا” وساهم في وضع التقرير النهائي الذي يسلّط الضوء على معاناة الاعلاميين في هذه البلدان “1993-1995”. ومثّل نقابة المحررين في اجتماعات المؤتمر الوطني النقابي حتى العام 1993 ومندوبها في اجتماعات ولقاءات ممثلي وسائل الاعلام المرئي والمسموع ولجنة المتابعة للعاملين فيها ، وكان أمينًا في نقل موقف النقابة الرافض لسياسة الاستنسابية في منح التراخيص .وعيُّن في 21 ايلول 2016 مستشاراً للاتحاد العام للصحافيين العرب بإجماع المؤتمر العام للاتحاد.

خلال لقائه مع احد المسؤولين الصينيين في العاصمة الاقتصادية شنغهاي

 

محطات مهنية

تولّى القصيّفي تغطية وقائع حرب الخليج الأولى لحساب عدد من المجلات والصحف اللبنانية والأجنبية، وتغطية مؤتمرات اغترابية لبنانية في واشنطن ونيويورك ومونتريال 1980 – 1981 و1985، اضافة الى تغطية جلسات للجمعية العمومية في الأمم المتحدة في العام 1980 . كما تولّى تغطية وقائع مؤتمري “جنيف” و”لوزان” للحوار الوطني لـ “اذاعة صوت لبنان” ، وتميّز عمله بالدقةّ والشمولية والموضوعيّة .ورافق كبار المسؤولين في جولات عربية دولية شملت :

المغرب، تونس، ليبيا، مصر، اليمن، سوريا، الاردن، العراق، ايطاليا، باريس، السعودية، الكويت، البحرين، قطر وسواها، وذلك في حقبات متفرّقة من مزاولته مهنته .

مع مسؤول الشرق الأوسط بالخارجية الصينية في بكين

 

وشغل منصب المستشار الاعلامي لمدير مكتب “اليونيسف” في بيروت، وكانت له مساهمة بارزة في حمل الجانب اللبناني على التوقيع على “بروتوكول” هذه المنظمّة الدولية بعد سنوات طويلة من تجميده فاستحق تنويه المنظمّة ووزارة الخارجية اللبنانية في آن.  وزار الصين بدعوة رسمية في العام 1997 وكتب في صحيفة ” الكفاح العربي ” مقالات عدة حول هذه الزيارة التي شملت “بكين”، “شنغهاي” و”تشنجن”. ثم زارها ثانية في العام 2007 في عداد وفد مشترك لنقابتي الصحافة والمحررين وكتب سلسلة تحقيقات عن هذا البلد في صحيفة “البيرق” ومجلات:”الحوادث” و”لا ريفي دي ليبان” و”مونداي مورننغ”.

إلى ذلك كله، شغل وظيفة المسؤول الاعلامي في وحدة العلاقات التربوية في المركز التربوي للبحوث والانماء بعد التحاقه بالمركز مفصولا من ملاك التعليم الثانوي الذي عيّن فيه أستاذا لكونه من خريجّي كلية التربية في الجامعة اللبنانية ، وقد استقال في العام 1984 من وظيفته الرسمية لينصرف كليا الى الاعلام .وعمل في المكتب الاعلامي لرئاسة الجمهورية من العام 2002 حتى العام 2014 .وفي “الرابطة المارونية” مستشاراً اعلامياً. وراسل صحفًا عربية واجنبية وعددًا من المواقع الألكترونية. وهو عضو المجلس الأعلى لاتحاد الصحافة اللبنانية .

ساحة تيان مان في وسط بكين

 

من مؤلّفاته

*عوامل واعلام النهضة العربية في القرن التاسع عشر (رسالة جامعية)

*تاريخ نقابة محرري الصحافة اللبنانية (سينشر قريبا) .

*له آلاف المقالات والتحقيقات المنشورة في مختلف الصحف والمجلات اللبنانية، وهي تتناول الموضوعات السياسية، والاجتماعية، والأدبية والتاريخية .

* حائز على وسام الارز الوطني  2007

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *