قراءة في “مُعْجَم أعلام النّساء الفِلَسْطِينيات”

Views: 287

د. إيمان بقاعي

صدر في بيروتَ، عن دار النُّخْبة، (مُعْجَم أعلام النِّساء الفِلَسْطِينيات)، من أربعمائة صفحة من القَطع الكبير للمُعْجَميَّة اللُّبنانيَّة (غريد الشِّيخ)، صاحبة (المُعْجَم)؛ ويضم بين دفّتيه 628 سيرة ذاتيَّة لسيِّدات فِلَسْطِينيات شرحَت مُعِدَّةُ المُعْجَم أسبابَ اختيارِهنّ وطريقة العَمَل التي اتّبعتها في التَّصنيف والأرشفة، مقدّمةً- في كتابٍ أكاديمي موثَّق- قضاياهن المتنوّعة الثَّريّة التي عَبَّرْن عنها، كلّ واحدة حسب مواهبها وعلومها وقناعاتها، فأجَدْنَ التّعبيرَ وأتقَنَّهُ مُعَبِّراتٍ عن قضاياهنّ الّتي تتقاطع وقضايا نساء العالم، مع نكهة جَلِيَّة تميّز أعمالَهُنَّ كونهنّ يعشْن في وطَنٍ مُتَنازَعٍ عليه، سُلِبَتْ فيه وتُسلَبُ حقوقهنَّ وعائلاتِهنّ، ما يكرّسُ الانتماءَ الّذي يُوجب التّمسّك به والدّفاع عنه من خلال التّعبير- بكلّ الوسائلِ- بأرضه وتراثه، وهو ما لا تعانيه النّساء الأُخْرَيات في بلادٍ تنعَم بالحريّة والاستقلال.

مَن هُنَّ السَّيدات اللَّواتي تناولَهُن المُعْجَم:

تناولَ المُعْجَم: الأديبات، الشَّاعرات، الباحثات، الفنّانات التّشكيليّات (كلّ أنواع الفنون)، الممثّلات الرّائدات، الكاتبات والمُخرجات والمُنتِجات (مسرح، سينما، مسلسلات)، المُطربات اللَّواتي غَنّيْنَ التُّراث الشّعبيّ الفِلَسْطِينيّ، مُؤسِّسات الفرق الاستعراضيّة وفِرَق الدَّبكة الشّعبيّة، السّياسيّات، المُناضلات، المُعتقَلات في السّجون الإسرائيليّة.

علمًا أنّ المُعْجَمية ارتأت ضمَّ أسماء سيّدات لم يحملن الجنسيّة الفِلَسْطِينيّة، لكنهنّ وُلدْنَ في فِلَسْطِين أو عشْنَ فيها زمنًا، وقدّمنَ دراساتٍ وأبحاثًا وكتاباتٍ تتعلّق بالقضية الفِلَسْطِينية؛ مثل: الدّكتورة بيان نويهض الحوت، ووالدتها الأديبة جمال سليم نويهض، والمناضلة ليلى خالد وغيرهن…معتبرةً أنّ الانتماءَ إلى قضيةٍ ما والدِّفاع عنها بإيمان واقتناع هُويَّةٌ لا تقلُّ قيمةً عن الهُوِيَّة المُتَعارَفِ عليها.

تفاصيل العمل:

(1) مَصَادِر المَعْلُومات:

تشرح المُعْجَمية (غريد الشِّيخ) جمعها معلومات مُعْجَمها من خلال:

(1) التَّواصل المباشر مع السّيّدة، أو مع أحد أفراد عائلتها أو المقرّبين منها والأصدقاء.

(2) تعريف السَّيّدة بنفسِها في كتب، أو مجلّات، أو مقابلات، أو مقالات، أو ضمن مذكَّرات منشورة.

(3) اعتماد كتب الأعلام المطبوعة القديمة والحديثة.

(4) الإنترنت مع السَّعي للتّأكّد من صحّة المَعْلُومات الواردة.

(ب) ترتيب الأَسْماء:

(1) رتَّبَتِ الباحثة الأَسْماء مُعْجَميًّا حسب نطق الاسْم وإملائه؛ أي: حسب الحرف الأول فالثّاني فالّذي يليه؛ وهي طريقةٌ تسهِّلُ الوصولَ إلى الاسْم المُراد.

(2) أدرجَتِ الباحثةُ آخرَ المُعْجَم فِهرسًا مهمًّا يسهِّل البحث عن الاسْم أيضًا، وقد ذكرت فيه الاسْم وصفات السّيدة ومهنتها وعلاقة هذه المهن بالإبداع الذي تميّزت به (كاتبة، شاعرة، فنّانة تشكيلية، فنّانة شاملة، كاتبة أطفال، مناضلة، سياسية…).

(3) هذا التَّوثيق هو توثيق أكاديميّ يعطي طابًعا علميًّا للعمل.

(ت) ترتيب المَعْلُومات داخل السِّيرة الواحدة:

(1) أوردتِ المُعْجَمية بدايةً الاسْمَ الثّلاثي وسنة الولادة، فصفات الشَّخصيّة التي تريد تسليط الضَّوء عليها (أديبة، فنّانة، مطربة، رسّامة، قصصية، مترجِمة، طبيبة، مناضلة…)، فاسم مدينتها في فِلَسْطِين، فجنسيّتها الحاليّة، وما نالته من شهاداتٍ جامعية أو خبراتٍ في مجالِ مواهبها التي تميزت بها.

(2) ذكرَتِ المُعْجَمية أسماء كتب الأديبات ممَّن ضمَّهنَّ المُعْجَم، مع معلومات كاملة عن الطّباعة، بحيث تكون هذه المَعْلُومات دليلًا وافيًا وكافيًا لأيّ باحث يمكّنه من الحصول على هذه الكتب إن أراد التّوسُّعَ.

(3) ذكرَتِ المُعْجَميَّة- أيضًا- أسماء كتبِ الكاتبات (أو المترجِمات) التي نُشِرت بالإنكليزية بعناوينِها نفسها التي نُشِرَتْ بها، وكذلك ذكرَت المعلومات الطِّباعية كاملةً، أُسوة بالكتب المنشورة باللُّغة العربيَّة.

(4) ذكَرَتِ المُعْجَميَّة أسماء معارضِ الفنّانات التّشكيليّات، مصنِّفة معارضهِنَّ الخاصّة أو تلك التي شاركنَ فيها بصفة جماية مع فنّانات وفنانين آخرين.

(5) ذكَرَتِ المُعْجَميةُ أسماءَ أهمَّ أعمال المُخْرِجات والمُنْتِجَات وكاتبات المسرَح وسائر الفنون الأدبية (سينما، تلفزيون، مسرح…)، مع ذكر السَّنوات التي عُرِضَتْ فيها أعمالُهنَّ، ما يسهِّلُ عمل الباحثينَ أيضًا. وقد أعربَتِ المُعْجَمية عن تقديرِها للدّور الذي تقوم به المبدِعات في مجال الفنون كافَّةً، وقدَّرَتْ أهمية الفنُّ في تكريس هُوِيَّة الوطن العربيّة التي يقوم الفنُّ بوظيفة الحفاظ على تراثه.

(6) ذكرَتِ المُعْجَميةُ أهم ما قامَت به الشَّخصيّات السّياسيّة، وتلك التي طُبِعَت بالطّابع النِّضالي إلى جانب السِّياسيّ، وعانَتْ ما عانَتْه من تضييق؛ بدءًا بمنع سفَرِ المناضلات، وانتهاء بِزَجِّهِنَّ في سجون الاحتلال والحُكْمُ عليهنَّ أحكامًا ظالمةً، غاشمةً، زادَتْهنَّ إصرارًا على التّمسُّكِ بكرامةٍ عزَّ مثيلُها بحقوقهنَّ في الدّفاع عن وطنِهن وحقوق شعبهنّ.

(ث) الفهارس:

استمدَّ تصنيفُ فهارسِ هذا المُعْجَم أهميته الكبرى من خلال:

(1) ذكْر اسم كلّ سيدة ورد الحديث عنها.

(2) ذكر المهنة.

(3) ذكر الصّفات.

(4) ذكر الاختصاص.

(ج) المَصَادِر والمراجع:

وثّقّت المُعْجَمية مُعْجَمها من خلال:

(1) وضع أسماء المَصَادِر والمراجع التي اعتمدتها في آخر الكتاب.

(2) وضع المرجِع المعتَمَد بعد ذكر كلّ سيرة ذاتيّة.

(3) وضع عبارة (السّيرة الذَّاتيّة) في حال التّواصل المباشَر مع السّيدة، تسهيلًا للباحث عن المَعْلُومات، وفَصْلًا بين ما سبق ذِكرُه في أماكنَ كثيرة سبقَ أن وُثّقَتْ، وما يُذكَر في هذا المُعْجَم للمرّة الأولى من خلال توثيق هذا التّواصل، ما يعطي للمُعْجَم قيمة إضافية غير مقتَبَسَة.

(4) أوردَت المُعْجَمية بعض الرّوابط الإلكترونية- إن وُجِدَتْ- تسهيلًا للباحثين عن أي اسم، إحالةً لهم كي يكتشفوا المزيد.

كلمة أخيرة:

لعلَّ هذا العمل التّوثيقيّ، الأكاديميّ، العلميّ، المسؤول يستمدّ أهميّته، لا من ترتيب أسماء السيّدات ترتيبًا مُعْجَميًّا يُسَهِّل أعمال الباحثين، ويحفظ حقوق السَّيدات من الضّياع وسط الهَجْمَات الشَّرسة الّتي يتعرض لها وطنُهنّ وسطَ محاولات حثيثةٍ متشّعبة تهدف إلى محو حقيقته من خلال تمييع الحقائقِ؛ بل في تنوُّع الإبداعات التي أخذت المعجميّة ببراعةٍ بيدنا لتعريفنا بها، بعيدًا عن التَّصنيف الّذي يعمد إليه بعضُ الباحثين عَبَدَة الشُّهرة السَّريعة الزّائفة، إذ يربطون الإبداعَ- فنّيًا كان أو سياسيًّا- بأسماءَ مشهورةٍ من الزُّعماء الّذين لطالما اختُصِرَت قضايا الوطن بأسمائهم، بل اختُصِرَ الوطنُ كلُّه- إيغالًا في التَّزييف وسعيًا وراء نجاحٍ مُدَوٍّ- بالهالات التي أحاطوهم بها إحاطة ممَنْهَجة، بينما لا يُختَصَرُ الوطنُ باسْمٍ، ولَنْ!

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *