جوزيف كحَّالة وبحثُه الأخير

Views: 387

عبد الله نعمان

(باريس)

 

جوزيف إلياس كحَّالة باحثٌ حلبيٌّ متعدِّدُ المَواهِب، خاضَ غمارَ البَحثِ كالمُؤمِنُ يَعتنقُ دينَه. وهو فَخورٌ بِانتِمائه إلى سوريا، الأرضِ الَّتي نَشَأَ فيها، لِذا نجدُهُ يُكَرِّسُ معظمَ نَهاراتِه ولياليه لِمَسقِطِ رأسه، حَلب.

ولَئِن كانَ كحَّالة يَعيشُ في فرنسا منذ نحوِ أربعينَ مِن الأعوام، فإنَّه لا يَنْسى جذورَه، ويتناولُ في كِتاباتِه الَّتي يُوَجِّهُها إلى الأجيال الشابَّة، التَّاريخَ المَرموقَ للأجداد، وبخاصَّةٍ في ما يتعلَّقُ بالدَّور التأسيسيِّ للجَماعات المسيحيَّة في إحياء الحروف العربيَّة منذُ القرن السَّابعَ عشرَ، ونجدُه يُسلِّطُ الضَّوءَ على مساهماتهم في الفلسفة العربيَّة خلال العصر الذهبيِّ للإسلام، ويدرُسُ الحركةَ الصُّوفيَّةَ في عُمق، ويؤكِّدُ على تأثير الحوار الإسلاميِّ المسيحيِّ في النِّطاق المَشرِقيِّ الشَّاسع.

وإنَّنا لَمَدينون لكحَّالة بِالعديد مِن الكُتُب وعشرات الدِّراسات والمقالات المتنوِّعة باللُغتَين، العربيَّةِ والفرنسيَّة، ممَّا يُثْري المكتبات المتخصِّصة، ويُسعِدُ الخُبراءَ والقرَّاءَ المُتَحَمِّسين.

 

***

ويُخصِّصُ جوزيف إلياس كحَّالة بحثَه الأخيرَ الصَّادرَ عن دار نعمان للثَّقافة لأميرٍ عظيمٍ مِن أمراء كنيسة الرُّوم المَلَكيِّين الكاثوليك، عَنَيْتُ مِطران حَلَب ناوفيطوس إدلبي (1920-1995)، الَّذي كانَ اليدَ اليُمنى للبطريرك الجَليل مكسيموس الصائغ (1878-1967)، ذاك الَّذي وصفَتْه صحيفةُ الـ “أوسِّرفاتوري رومانو” بِأنَّه “الطِّفلُ الرَّهيبُ” للمَجمَع الفاتيكانيِّ الثَّاني (1962-1965).

هذا، إلى كَونِ الإدلبيِّ مُحاضِرًا ممَّن يُستَمَعُ إليهم، وكاتبًا متعدِّدَ المَواهبِ وغزيرَ الإنتاج لا يخجلُ مِن التَّعامل مع أصعب الموضوعات، تَشهدُ على ذلك أطروحةٌ رائعةٌ له درسَ فيها وضعَ أهل الذِّمَّة في الأراضي الإسلاميَّة، وقد كانَ أوَّلَ مَن تناولَ هذا الموضوعَ الحسَّاس، وتبعَه على ذا النَّهجِ كثيرون.

وفي عمل كحَّالة الكبير عن المِطران إدلبي، يحرصُ المؤلِّفُ الشَّغوفُ والدَّقيقُ على التَّأكُّدِ مِن الحقائق، ومناقشةِ آراء المُؤرِّخين، ومقارنةِ آراء أسلافه، وتزيينِ بحثه بِالعديد مِن الاقتِباسات والملاحظات الغنيَّة الَّتي تُفيدُ المُتَخَصِّصين والمُبتَدِئين. كما ثمَّة في الكتاب شهاداتٌ غيرُ مَنشورَةٍ مِن قَبْلُ ورسومٌ توضيحيَّةٌ فوتوغرافيَّةٌ وببليوغرافيا شاملةٌ ممَّا يَليقُ بهذا العمل المُتقَن الَّذي يستحقُّ أعلى الثَّناء.

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *