(أنا … بيروت) للشاعرة ميشلين مبارك

Views: 614

نزار حنا الديراني

صدر للزميلة ميشلين مبارك مجموعتها النصية ( أنا … بيروت ) وهي من منشورات منتدى شاعر الكورة الخضراء عبد الله شحاده الثقافي 2021 – لبنان. يضم الكتاب بين دفتيه (9 نصوص سمتها وطنيات ، 17 نص في الحب ، 5 نص في رجاء الدمع ، ومن ثم مجموعة ومضات… مع بعض الكلمات …

في مجموعتها هذه وظفت الشاعرة مشلين مجموعة من الصور والإرهاصات التي تعكس وتكشف عن ذاتها ، بدلالاتها وصورها الإيحائية والمتمحورة حول مفردات الخطاب اليومي كي توحي للمتلقي استدراك عمق ما تصبو اليه كون نصوصها بعيدة عن الأقنعة والرمزية و… والتي استقتها من تجربتها الشعرية الوجدانية بعد مسيرة حافلة بالمشاركات في الساحة الثقافية اللبنانية .

 

سأركز في قراءتي هذه على نصين من نصوص المجموعة كونهما الأكثر جمالا وقرباً لي وهما :

  • النص الأول : (أنا … بيروت) هذا النص الذي هو مفتاح الدخول الى المجموعة كونه عنواناً للمجموعة حيث رأيته البؤرة التي تنطلق منها الشاعرة إلى فضاءاتهِا المُحلقة في سماء الحب المتكامل ، إن الولوج لأي مجموعة، لابد وأن يكونِ عِبر ” العتبة ” التي هي في الأساس المرشد الذييرشدك إلى الجهة التي تنوي الوصول إليها ، فعتبتها أو قصيدتها (أنا … بيروت ) ، هي المرآة العاكسة أولاً لجسد النَص والمجموعة في الوقت ذاته، فاستخدامها له يكون على وفق ملكات وأدوات الشاعرة التي تحيطُ بها وتمتلكها لتعبر عن مكنوناتها بصور جميلة حيث تقول:

أنا تلك المدينة المبللة بالحزن

الهاربة من عبودية الحب

أحرر الليل من الأبواب الموصدة

وأكتب القصائد الشريدة على جدران الذكريات …

فكيف لا تكون بيروتها مبللة بالحزن وهي ترى بعينيها وشغفها ما آلت اليه هذه المدينة الجميلة والتي كانت وما تزال صرحاً ثقافيا في العالم العربي ، ألم تكن هي من صقلت الكثير من الأدباء والفنانين والسياسيين لينطلقوا الى الفضاء الواسع ؟

ومن ثم تقول :

نحن نتقاسم جسور الماء والهواء

أسكنك وتسكنني …

والأفق ينظر الينا غير مبال

تعال نحرك الوقت عند بزوغ الدمع

فرمال الجوع متحركة … متشابكة

نجد ملكتهاالشعرية والتي خمرتها من الماضي القريبواليومي استنباطاًواستقراءً للأحداث التي تراقصتوتتراقصعلى سجل يومياتها، كي تدفع بمخيلتها لفرز تلك الرؤى ، فكان الحب المكمن في ذاتها وخوفها من عودة الماضي المخيف ذخيرتها بعد أن أصبغتهُ ورصعتهُ بارهاصاتها الوفيرة لتقرأ من خلاله الوضع الراهن .

 

  • وفي نصها الثاني(ورقة معلقة) والحاوية على العديد من الصور الشعرية والتي من خلالها تتكشّف ذاتها باستمرار عن ارهاصاتها بعد أن تنفخ فيها رؤيتها لتتقمط مرآة ترىو تغذّي من خلالها ما تراه من صور مستقبلية لما آلت اليه الحياة اليومية بما يجب من التفاعل والتلاقي والتعاطي مع المحيط .فتقول في نصها هذا :

كبرت على غصن شجرة

أصبحت آخر ورقة معلقة

كتبت عليها قصيدة ..

لست أحلم بالهبوط

لأن رفيقاتي على الثلج ينمن

في نصها هذا يحضر الخوف في دال ذاتها ليفتح المجال لدال ما تصبو اليه للنزول في مواجهة تقليدية جدليّة مع دال ذاتها مكوناً علاقة جدليّة وتفاعليّة  بينهما من خلال ما تعكسه صورة الآخر كاشفاً من خلاله طبيعة الواقع المرير والمعبر عنه بدرجة الانجماد الدائر والمحيط بهما ، بمعنى آخر ما تعكسه صورة الخارج بالداخل . ثم تقول :

أتجاوز حكايات الفصول

ألتقط أنفاس الزهور

أنثر ماء الحروف

فتنبت على كفي رزمة أوراق

تعزفها ألحان الرياح

تزرعها الطيور مسافات

أكتب قصيدتي

فتطير آخر ورقة معلقة

على غصن شجرة

قصيدة كهذه تكون مبنية على تضافر المفاصل من خلال تشابك مواطن الانتقال من شحنة اخبارية ( … فتنبت على كفي رزمة أوراق / تعزفها ألحان الرياح / تزرعها الطيور مسافات ) الى شحنة الذات المتمثلة بانعكاساتها( .. فتنبت على كفي رزمة أوراق / تعزفها ألحان الرياح / تزرعها الطيور مسافات )

تمتاز قصيدتها هذه وكما في قبلها بحرارة تأثيرها في المتلقي، وعلى أثرها يتولد التفجير الداخلي مكوناً “الأنا” والتي هي على صورة “أنا الشاعرة ” التي تُفصح عن تجربتها الداخلية وصوتها الداخلي بكلّ ما يفضّ عنه من روح جيّاشة في التعبير، بحيث صارت الذاتيّة الكلية تتجسّد في “الذات الصغيرة” للشاعرة والمتقمطة خوفها وأحلامها الكسيرة والتي تتشوق لعالمٍ أكثر عذوبة ورأفة وأقلّ خوفا . لذا فإنّ المظهرات الخاصّة بالذّات والذّاتية التي تنتجها الأنا الغنائية وتبلورها داخل نصيها اللتان ترقصان على خطاب يشتغل على تراكيب يثوي فيها العديد من التساؤلات فيما يخص الغد.

وفي الختام أهنئ زميلتي على اصدارها الجديد وشكراً لاهدائها لي مجموعتها هذه متمنيا لها المزيد من العطاء .

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *