غياب ناجي معلوف (1949-2021) رجل المسرح والشعر… “الإنسان حكاية قصيرة”

Views: 552

سليمان بختي

غياب ناجي معلوف قبل الأوان بكثير (1949-2021).

غاب بمواهبه المتعددة، ممثلا وكاتب مسلسلات ومخرجا وشاعرا وأستاذا أكاديميا. هذا ما يجعل خسارته حزينة وقاسية ومضاعفة. في زمن تؤخذ البلاد ومواهبها وطاقاتها، غصبا عنها، وبالقوة الماحقة، وبالفساد الأقصى، وبالقهر العاري، إلى الإحباط، الى اليأس، إلى المقصلة، إلى الإعدام، إلى حبل المشنقة ،إلى الموت الرحيم. 

نشأ ناجي معلوف في بيت يعشق الفن والمسرح والأدب (شقيقه المسرحي موريس معلوف) كان يسميه “النادي” حيث تقام فيه كل يوم سهرات ولقاءات وأغانٍ، يشارك فيها الرعيل المؤسس منير أبو دبس وأنطوان ولطيفة ملتقى وريمون جبارة وشكيب خوري و جلال خوري و قد تأثرناجي بأنطون ولطيفة ملتقى أيما تأثر.

درس على يد المخرج الراحل أنطوان ريمي السينما وتقنياتها. كما درس على نفسه علم النفس لمعرفته بمدى احتياج الممثل لهذا الاختصاص غوصا في الذات والدور.

ناجي معلوف في مسلسل “عشرة عبيد زغار”

 

يقول عن نفسه إنه إنسان قدره أعطاه الفرص والحظ أن يكون في الزمن الذهبي لبيروت.

في العام 1974 كتب للتلفزيون المسلسل الشهير “عشرة عبيد زغار” وأصر على كتابته باللغة المحكية فنجح المسلسل وحقق انتشارا في العالم العربي. وكان ناجي بطلا من أبطال هذا المسلسل مع جماعة المسرح واضطلع بدور الكابتن لومبارد وحمل دوره مقطعا لأغنية.عد هذا النجاح توقف عن الكتابة للتلفزيون.

شارك في مسرحيات عدة مثل ” نقطة على السطر” 1980. وعمل مع فرقة ريمون جبارة، وأيضا لفترة مع مروان نجار.

في بداية التسعينات أعاد الدراما الى التلفزيون من خلال كتابة مسلسلين، “قصص حب” وهو في 19 حلقة ومثل في حلقتين، و”شباب وبنات” إخراج باسم نصر، وهو استكمال للمسلسل للأول. وكتب مسلسل”جريمة في القلعة” و”الشرك” ثم توقف عن الكتابة للتلفزيون.

مشهد من مسلسل “عشرة عبيد زغار”

 

يقول زميله فائق حميصي إنهم “أقصوه عن التلفزيون” ولكن كانت  لديه مسلسلات لم تنفذ مع بعض المخرجين والمنتجين.

كتب ولحن عام 1985 أغنية “لبنان للأبد” ونفذت في العام 2016 بأداء الفنانة آمال طنب .

مثل في مسرحية “كذلك على الأرض” في مسرح كريمازي في كيبيك، كندا في المهرجان الفرنكفوني عام1974.

كما شارك في إعداد منهج مادة المسرح في المركز التربوي 1997 وكان مسؤولا عن المسرح التربوي. وكان أستاذا جامعيا لامعا درّس الإخراج والتمثيل المسرحي لأكثر من ربع قرن في معهد الألبا والجامعة اللبنانية وأعطى من جذوة روحه إلى تلاميذه الذين أحبوه وصادقوه. كان في كل بداية سنة دراسية يقول لتلاميذه أمرين، الأول:” لا أحد يناديني دكتور أو أستاذ أو مستر إسمي ناجي. والثاني إذا كترت حكي وقفوني”. 

لبث ناجي معلوف يردد أين المسرح اللبناني؟ وفي رأيه أن المشكلة تكمن في الفقر وفي حاجة المسرح إلى الجمهور وفي الإنتاج وخصوصا أن المسرحيين قد زاد عددهم. عام 1996 قال كلمته الشهيرة ” باي باي مسرح… ما في جمهور ما في مسرح”. 

كان ناجي معلوف فنانا صادقا شفافا عكس التيار ويملك رؤية بعيدة. يعتب على الناس الـ بلا مبادىء وقيم. ويقول :” تغيرت بيروت حين تغير الإنسان”. هذا الصدق أخذه إلى الشعر فكتب ثلاثة دواوين وثمة مخطوطات تحت الطبع. أراد الشعر هربا من الآخرين ومن الكذب والجحود. قال له ريمون جبارة غير مرة” أغار منك شاعرا”.

 

كتب ناجي معلوف في الإهداء في كتابه “حد الوعي” بهدي هالديوان لكل الشعراء يللي قريت أو سمعت قصايدن من أول شبابي وتعلمت منن الكتير…. ولكل الناس يللي بعد في بقلبن مطرح للشعر”. وكتب جوزيف أبي ضاهر عن كتابه “حد الوعي” غط صبيعو ب مية زهر، ورسم ع الورق الأبيض باب، وقال:” فوت. مجنون. إذا فت كيف بدك تعود تطلع؟ جوا الشعر. بتلمحو، مرة الصبح، ومرة قامة مرا حلوة، وبتدوزن العمر، ومرات، بتشوفو بحر، بوجو بيندهك بيغريك. إنتبه إنك تسافر معو وحدك المستحيل. اللهفة بتوقفك، بين الصبح والقامة الحلوة، والكلمة، دقات قلبك بتلبكك. مجنون، رصد الشعر للدهشة اللي بتخلق قبل لمع البرق، وخمن حالو عم يكتبو “حد الوعي”… ما تاري، كتب حالو، برات الوعي، وما إنتبه”. 

 كتب 450 قصيدة يخاطب فيها القلم والعالم والورقة والوجود والقصيدة وأحيانا بنفس ماورائي. وكان يعتز دائما بانه بدأ بالشعر قبل المسرح. 

كتب قصيدة بعنوان “مش عدل” كأنها تعبر عنه وعن الظلم الذي أصابه في المسرح إذ يقول :” مش عدل / إنو هالعمر/ آخر عمر/ ومنكون جينا ع الدني مرة/ وعشنا تحت فعل الأمر/ في ع القليلة كون تاني بالمدى برا/ ماشي خلف شاشي/ هوي بيعرفنا ونحن واقعين بتم كماشي/ ومحرم علينا نلاقي برمة المفتاح/ ومحرم علينا بشر نرتاح/ بين الحياة وبين بعدها/ شقفة قماشي”. وثمة قصيدة أخرى إسمها “مزمور” :” الإنسان حكاية قصيرة / بتخلص قبل طلوع الضو/ والروح كفاية خميرة بتنفتح وبتفلت بالجو”. 

نفتقد مع غياب الفنان ناجي معلوف حضورا أصيلا وشغفا بالمسرح والكلمة. ونفتقد معه روح ذلك الجيل الصلب بالمبادىء والغني بالقيم والحالم دائما بإنسان أفضل ومكان أجمل وبدور أكثر عمقا في حياة الإنسان والمجتمع. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *