ما الذي يتبقَّى؟…

Views: 397

  لميا أ. و. الدويهي

حين لا يعودُ للقدسيَّة مكان، حين ننسى أن ننظرَ إلى الأعماق، حيث ولجت روحنا سابقًا واستكَّنت في أخرى…

حين نجعل الظروف مقياسًا وننسى أنَّ مَن كرَّس الذات وبلغ فيها أبعادًا للانتصار على محنٍ والثَّبات في الـ«نحن»…

حين لا ننتبه بأنَّ ثغرةً طفيفة تفتحُ هواتٍ سحيقة…

حين نظنُ بأنَّ الأمرَ عابرٌ أو مجرَّدُ غلطة غير مُدركين بأنَّ الحبَّ وأساساته يكمُن في القيمة التي يمنحها أحدنا للآخر…

تُرى، ما الذي يتبقَّى؟…

الأبشع عندما لا يَتيقَّنُ أحدُ الطرفَين بأنَّه قد يفتحُ فوهةَ الشَّرخ القادر على زعزعة ما تمَّ بناءه في أعوام، بلحظات… فالـ«قيمة» هنا، تُحصِّنُ الحب، تُثبِّت الكرامات، تُعزِّز المشاعر، تمنحُ الثِّقة، تُطلقُ العنان لفيضٍ من المشاعر لا ينتهي؛ وإذا مُسَّت تلكَ القيمة لا يعودُ الطرف المتأذِّي قادرًا على البوحِ بتلقائيَّةٍ، بمكنوناتٍ ظنَّها غالية على قلبِ الشَّريك كما عليه، وبالتالي يتلهَّفُ لالتقاطها متى بذَّرتها المشاعر من العُمق… تموت العفويَّة، فيشعرُ الإنسان كمَن ليس بمرغوبٍ به، ولا بما يحمل من عاطفةٍ، لمَن وهبَه أثمن ما يملك، ليَجعلها طوع يدَي الشريك أي « ذاته»…

لا أحد يملكُ على أحد، ولا حتَّى الإنسان نفسهُ قادر على أن يمتلكَ ذاته، فهي تخصُّ فقط الواهب بل وحتَّى هذه الذَّات هي أمانةٌ لديه منه، وقد خصَّنا بها لنعتنيَ بذاتِنا لأجله وهي لا تنمو خارج الحبّ الذي يبدأ بقبول الذات واستيعابها، فتفيض بالتالي بأجود الحبّ على الآخرين، فتُحيي وبدورِها تحيا…

وعندما نُطيِّع باسم الحب إرادة الذات لآخر، فهذا لا يعني إخضاعِها وإنَّما هو نوعٌ من الطَّوعيَّة التي تدفعنا للانصهار بالآخر ومعه، لأجل بناء ثُنائيَّة مُكتملة الأبعاد، تتوازن وتتماسك، تتعاضد وتتكاتف… ولكن هل الاثنان قادران على الثبات والمحافظة على كرامة وقيمة الآخر وصونهما كي يبقى الحبُّ شامخًا، صامدًا، له معنى ومكانة يستمدُّهما من القيمةِ ذاتها التي تُسيِّجُ الحب وتحفظه نقيًّا، شفَّافًا، قويمًا، ثابتًا، واثقًا، يمرح في مَرتَعِهِ المستمد كيانه وجذوره من القيمة تلك، نفسها التي تُغلِّفُ الحب وتُحييه وكغشاءٍ تحويه وتُحافظُ عليه؟…

فهل يبقى الحبُّ ويثبُت إن اندثرتِ القيمةُ أو مُسَّت ولو بمجرَّدِ خدش؟… وإن تفلَّت الحبُّ وسقط من «غشائه»، فما الذي يتبقَّى منه؟…

أيُّ نوعٍ من الأعاجيب هي تلك التي ستُحييه مجدّدًا؟… لا أدري…

يبقى الإيمانُ وحده… بالحب… قادرًا على تحديد الـ ما بعد في ما هو آتٍ…

 ٨ /١٢ /٢٠٢١

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *