“الاختلاف والتكرار” لـ جيل دولوز

Views: 467

وفيق غريزي

في كتاب “الاختلاف والتكرار”، كما في كل كتبه، وقف الفيلسوف الفرنسي المعاصر جيل دولوز ضد كل اشكال استسلام الفلسفة لغيرها، فعارض بشدة سيادة الفلسفة التحليلية، ومختلف اشكال العودة، كالعودة الى عمانوييل كانط، او الذات، او الاخلاق، او حقوق الانسان التي كانت رائجة في الحقل الفلسفي.

 وقف دولوز ضد مفهوم “نهاية الفلسفة” قائلا إنه: “في غير زمانه ويحمل فلسفة اكثر من أي وقت مضى”، مؤكدا أنه ما زال بالامكان، التفلسف، محققا فكرة الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو القايلة ان معه الفلسفة تعود ممكنة.

اراد دولوز بمفاهيمه ان يدخل اسلوب تفكير جديد يخص الفلسفة بشكل مستقل تماما عن كل المعارف. وعندما قارب في مؤلفاته علوما تجريبية غنية، منها علم النفس والتاريخ والجغرافيا والاثنولوجيا والالسنية والبيولوجيا، فانه بقي فيلسوفا وبقي همه منصبا على الفلسفة وحدها. 

 

التكرار 

ليس التكرار العمومية، ويجب ان يتميز التكرار عن العمومية بطرق عديدة، فكل صيغة تتضمن اختلاطهما هي صيغة سيئة، هكذا عندما نقول إن نوعين يتشابهان، كنقطتي الماء، أو عندما نطابق بين “لا وجود لعلم الا العام” و”لا وجود لعلم الا ما يتكرر”. والاختلاف بين التكرار والتشابه هو بالطبيعة حتى بالحد الاقصى. 

ويوًكد دولوز أن انسان الواجب اخترع “اختبار” التكرار، وعين ما امكنه أن يتكرر من وجهة نظر الحق، حال هزم في وقت واحد، الشيطاني المنفر. ويقول: “وكما صدى هموم دانتون، وكما تكون الاجابة عن هذه الاتهامات، اليس هناك اخلاقية حتى في علاقة الجوارب المدهشة التي اعدها كانط في جهاز التكرار هذا الذي يصفه في كتاب سيرته بكثير من الدقة”.

ولكن ابهام الوعي هو أنه لا يمكنه أن يفكر نفسه الا بطرح القانون الاخلاقي والخارجي عن القانون الطبيعي والاعلى منه والمحايد تجاه القانون، غير أنه لا يستطيع أن يفكر بتطبيق القانون الاخلاقي إلا باصلاح صورة قانون الطبيعة ونموذجه في ذاته، حتى ان ابقانا القانون الاخلاقي ايضا في العمومية، بعيدا عن أن يعطينا تكرارا حقيقيا.

ويشير دولوز الى أن هناك قوة مشتركة بين الفيلسوف الوجودي كيركغارد والفيلسوف الالماني فريدريك نيتشه. من الضروري أن ينضم اليهما “بيغي” لتشكيل ثلاثية القسيس البروتستانتي والمسيح الدجّال الكاثوليكي. وقد جعل كل واحد من هوًلاء الثلاثة وعلى طريقته من التكرار، ليس فقط قدرة خاصة باللغة والفكر ومعاناة حالة مرضية عليا، ولكن المقولة الاساسية لفلسفة المستقبل، والقضايا الرئيسية التي تبرز التلاقي في ما بين الثلاثة من منظور دولوز هي: جعل التكرار عينه شيئا جديدا وربطه باختيار وبانتقاء وباختيار انتقائي، وطرحه باعتباره موضوعا اسمى للارادة الحرة. ويقول: “يدين كيركغارد تحت اسم التكرار الجمالي، كل جهد للحصول على تكرار قوانين الطبيعة، وليس كما يفعل الابيقوري فقط، إنما كما يفعل الرواقي، وذلك بالتماهي مع المبدأ الذي يشير اليه “. يقال ان الوضع ليس جليا الى هذا الحد عند نيتشه. مع ذلك، فان تصريحات نيتشه قاطعة. واذا اكتشف التكرار في الطبيعة نفسها فلأنه اكتشف في الطبيعة امرًا يفوق سيادة القوانين، ارادة تريد نفسها من خلال كل التغييرات. 

وقضية اخرى، هي معارضة التكرار بالقانون الاخلاقي، وجعل تعليق الاخلاقيات فكر ما وراء الخير والشر. ويظهر التكرار كعقل – لوغوس، المتوحد الفريد، ولوغوس المفكر الخصوصي. ويوًكد دولوز ان فكرة نيتشه الكبيرة هي بتأسيس التكرار في العود الابدي في وقت واحد على موت الله وتحلل الأنا، إلا أن في مسرح الايمان التحالف مغاير تماما، “يحلم كيركغارد انه بين إله ما وأنا ما، قد عثر عليهما. وتتقيد كل اصناف الاختلافات في ما بينها. هل الحركة في دائرة الروح أم في احشاء الأرض التي لا تعرف إلها ولا أنا”. تتعلق المشكلة بماهية التكرار. والمقصود معرفة لماذا يتعذر تفسير التكرار عن طريق شكل الهوية المتطابقة في المفهوم أو في التمثل.

الاختلاف في ذاته

للااختلاف مظهران: “الهوة اللامخالفة، العدم الاسود، والحيوان اللامتعين حيث يتحلل الكل، ولكن ايضا العدم الابيض والسطح الذي عاد واصبح هادئا حيث تطفو تعيينات غير مترابطة كما هي حال الاعضاء المبعثرة. اللامتعين هو لا مختلف كتماما، ولكن التعيينات الطافية هي ايضا لا مختلفة بالنسبة الى البعض الآخر. والاختلاف هو هذه الحال التي يمكن الكلام فيها عن التعيين”. قال ارسطو في هذا الصدد: “هناك اختلاف هو في وقت واحد الاكبر والاكثر كمالا”.

يتميز الاختلاف عن التنوع أو عن الغيرية، ذلك أن تعبيرين يختلفان عندما يكونان آخرين وليس بذاتهما إنما بشيء ما، إذن عندما يتوافقان ايضا في شيء آخر، في الجنس بالنسبة الى اختلاف النوع، أو حتى في النوع بالنسبة الى إختلافات العدد، أو ايضا في الوجود وفق التماثل بالنسبة الى اختلافات الجنس. 

ويعتبر دولوز أن الاختلاف النوعي يجيب عن كل متطلبات مفهوم متناغم او تمثل عضوي. أنه محض لانه شكلي. وهو ضمني لأنه يعمل في الماهية، هو كيفي، و”حين يشير الجنس الى الماهية، اي كيف الماهية نفسها، أنه توليفي، لأن تحديد النوع هو توليف، ويضاف الاختلاف راهنيا الى الجنس الذي لا يحتويه الا بالقوة “. هو متوسط، بل هو ذاته توسط، حد متوسط شخصيا. الاختلاف المحض، مفهوم الاختلاف المحض، وليس الاختلاف المتوسط في المفهوم عمومًا، في الجنس والنوع، معنى طريقة القسمة وهدفها هو انتقاء المتنافسين، واختبار الطامحين، ترى هذا في المثلين الرئيسيين عند افلاطون في السياسي، حي يعرف السياسي بمن يعرف ان يرعى البشر، إلا أن الكثير من الناس يظهرون، تجارًا وحراثا وخبازين ورياضيين واطباء ويقولون: 

الراعي الحقيقي للناس هو أنا، وفي الفيدراس لافلاطون يتعلق الأمر بتعريف الهذيان الجيد والعشق الحقيقي، وحيث ان الكثير من الطامحين هم هنا ليقولوا: العشيق، الحب، هو ان ليست مسألة النوع في كل هذا، باستثناء التهكم.

 

الحكم ووحدة المعنى 

تقابل الواحد الملكة في الحكم التي تدعى الحس المشترك. وتقابل الآخر الملكة التي تدعى الحس السليم أو المعنى الاول. كلاهما بنظر دولوز يكونان القسط المنصف “العدالة”، بما هي قيمة الحكم. بهذا المعنى تأخذ كل فلسفة مقولات الحكم نموذجًا لها. كما نرى عند كانط وعند هيغل. غير ان تماثل الحكم مع حسه المشترك وحسه الأول، يسمح لهوية المفهوم بالبقاء. التماثل هو نفسه المماثلة للهوية في الحكم. التماثل هو ماهية الحكم ولكن تماثل الحكم يماثل هوية المفهوم. ويرى دولوز انه ليس الجوهري الخاص بوحدة المعنى، في الواقع، بأن يقال الوجود في المعنى نفسه والوحيد. ذلك انه يقال في المعنى نفسه والوحيد، عن كل اختلافاته المفردنة او نمطياته الضمنية، ويقول: “الوجود هو الـ”عينه” بالنسبة الى كل هذه النمطيات، ولكن هذه النمطيات ليست هي نفسها. وهو مساو لها جميعها، غير أنها هي نفسها ليست متساوية”…

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *