أيُّها الفَاخوريّ…

Views: 544

مكرم غصوب

أيُّها الفَاخوريّ،

يا مَنْ كُنتَ، بِصَّلصالِ يَديْكَ، تُدوِّرُ الفَراغَ في الخَوابي لتَمتلئَ بالمَعنى.

البَعضُ، النَاظرُ إليْكَ بِعَينِ المُستَهلِكِ، كانَ يَراكَ مُجرَّد َصانعٍ للفَخّارِ، ولَمْ يَنتَبِهْ إلى أَنّكَ كُنتَ تَجتَرِحُ مُعجِزَةَ تَكامُلِ الثُنائيّاتِ بِتفَاعُلِها وتَبادُلِ أدوارِها:

الفَراغِ/الامتلِاءِ، الحُضورِ/ الغِيابِ، وثُنائيةِ المادةِ /الروحِ، كَما خُلِقَ الإنسانْ، كَما تُخلقُ الأوطان.

ولَكنْ، أنْ تَكونَ مُجرَّدَ صانِعٍ للفَخّاَر، لا يَنتَقِصُ أبداً من قيمَةِ إبداعِكَ، لَبَلْ هو فَخارٌ للوَطن.

فكَمْ تَحتاجُ بِلادُنا اليومَ، لِكي تَنهَضَ مِن كَبْوَتِها، إلى أمثالِك من المُنتِجينَ غِلالاً وصِناعةً وفنّاً وفِكرا.

كَمْ تَحتاجُ إليَكُم اليَومَ، في زَمَنِ السَّمسَرَةِ البَغيضَةِ على المُستوياتِ كافةً، في زَمَنِ تَسطيحِ العُقولِ ومَسخِ المَفاهيمِ، في زَمَنِ الْجَهلِ والتَّشَتُتِ والتَّفتُتِ والتَّبَعيّةِ والادِّعاءْ.

كَم تَحتاجُ بِلادُنا اليومَ إلى أمثالِكَ المَجبولينَ بِتُرابِ الانتِماءْ، نُفِخَ فيهِ فِكرٌ حَيٌّ مُتَجدِّدٌ.

هذا التُرابُ الذي فِيهِ زَرَعَ أجدادُنا، مُنذُ آلافِ السِنينَ، أوَّلَ القَمحِ، ومِنهُ صَنعوا أوَّلَ الخَزَفِ، وعَليهِ حَفروا أولَ الحَرفِ، فكانتِ اللغَةُ الوِجدانْ، وكانتْ حَضارة ُالإنسانْ.

هذا التُرابُ الذي تَجذَّرَتْ بِهِ الكَرامَةُ كَما تَجذَّرَ الأَرزُ والصَّنوبَرُ والسِّنديانْ.

أنتُمْ، أيُّها المُنتِجونَ، غِلالاً وصِناعةً وفَنّاً وفِكرا، يا مَنْ قَاوَمْتُمْ كُلَّ أشكالِ الذُلِّ والخُمولِ والعُبوديةِ والانحِطاطِ، وكأنَّكُمْ تُغنُّونَ:

“هذهِ الأرضُ ليسَتْ أرضَنا

هذهِ الأرضُ هيَ نَحنُ

ونَحنُ أرضُنا”

كمْ تَحتاجُ إليَكُمْ بِلادُنا اليومَ، لتَعودَ قُرانا، كما كانَتْ “بيت شباب”، التي سمَّاها الرّيحانيّ “ضَيْعةَ الضَيعاتِ”، ضَيعةً حَيّةً بمزارِعِها وصِناعاتِها وأسواقِها الشَّعبيَّةِ، بِشُعرائِها ومُفكَّرِيها ومُبدِيعها، تَفيضُ إنتاجاً وحُبّاً ووطنيّةً، تَجمعُ أبناءَها وَحدةُ روحٍ ووَحدةُ اتجاهٍ، كَما تَجمعانِ أبناءَ الوَطن كُلَّهُم.

أيُّها الفاخوريّ

أيُّها العَقلُ اليَدُ

الذي جَمعَ التُرابَ والماءَ والنارَ والهَواءَ، العناصرَ المُتفَرِّقَةَ المُتصادِمَة كأبناءِ الوَطنِ الواحدِ، ليَصنْعَ مِن تَفاعُلِها، للفراغِ مَعنىً.

أيُّها الفاخوريّ

بِطينِ يَديْكَ الواعيَتينِ

دَوِّر الفَراغَ في قلبي

قالَ الوَطنْ

ليَمتَلِئَ بالمَحبّةِ والحِكمَةِ، بالمَصلَحَة الوَطنيَّةِ، فَقَط، المَصلحةِ الوطنيَّةِ.

أيُّها الفاخوريّ،

الذي أرادَ أنْ يَبقى بَقاءَ المَعنى في الفَخّارِ، ورَحلَ لكَي يَبقى.

لكَي يَبقى خَالِداً في إبداعِهِ وفي الأَوفِياءِ لإبداعِهِ، الذينَ لا بُدَّ أن يُكمِلوا الطَّريقَ الذي يوصِلْ، طريقَ الانتماءِ والارتقاءِ الذي لا يَنتهي، مُنذُ أجدادِنا، طريقَ صِناعةِ الحَضارةِ وخَلقِ المَعنى المُتجدَّدْ.

نَرحَلُ أيُّها الفاخوريّ

مِنّا من يَترُكُ فَراغاً

ومِنّا من يَترُكُ فَراغاً مُمتَلِئاً…

***

*الكلمة التي ألقيتها ممثّلاً معالي وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى في حفل تكريم المعلم فوزي الفاخوري من قبل مؤسسة fou…noun، دير مار جرجس بحردق، 9/ 7 /2023.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *