بالونات العيد

Views: 677

د. جان توما

 

ليلةَ الميلادِ حَبَسَتْ أنفاسي فيها وزفرتُها في بالوناتٍ للبيع. كان صعبًا عليّ أن أعودَ بلا خبزٍ إلى أولادي وقد غابَتْ الهدايا عنهم.

كلُّ ما يعرفونه عن هذه الهدايا ورقًا ملوّنًا جمعتُه من مرمى النفايات، وألصقتُه مكانَ زجاجِ النافذة المكسور، كي لا تتسرّبَ موجاتُ البرد، وتعصفُ الريحُ مكانَ الأملِ والرجاء.

حملتُ تَعَبَ أيامي، وهواءَ أحلام سنيني في بالونات للبيع . شيءٌ من ما بقي من هوائي للبيع، فهل من يشتري فرحًا لأطفالي؟

خرجتُ ليلةَ الميلاد أبحثُ عن الرعاة فما وجدتهم! وبحثتُ عن المجوس فلم ألقاهم؟ تأملت السماء فدلّتني نجمةٌ إلى من جاء ليحيا مثلي؛ بلا سقف، ولا مال، ولا سلطة، ولا يملك إلّا كلمة محبة، وقناعة مكتفية وخدمة مرضى لا تُتْعِبُه.

أيوحّدُ الوجعُ أهلَ الشتات في عراء العالم، كما يوحّد الجشع  المتخمون أولئك الفقراء دائما إلى المال؟ أحملُ هوائي في بالوناتي، وأسير حرّا، فيما يحملون أطماعهم على ظهورهم مقيّدون بها، وأسرى لها.

هدّني العمرُ، لكنه لم يقدر عليّ، كما لا يستطيع البردُ اكتساحَ قلبي الدافىء. أعرفُ أنَّ مَنُ في البيتِ ينتظرُ عودتي مع خبزٍ وقوت، لكنهم يفرحون بعودتي ولو وحيدًا، نتقاسمُ الأحلامْ، وبؤسَ الأيامْ، كما يتوزّعُ المطرُ جيوبَ الغمامْ، وكما تتراصفُ كالنجومْ ، في هجرتها، طيورُ اليمامْ.

ترتفعُ البالونات بهوائي، فأعبر ُالعمرَ خفيفا. تُدخِلُني البالوناتُ ريشةَ الألوانْ، أطلعُ قصيدةً بلا عنوانْ، وأصيرُ أجنحةَ فكرِ فنانْ، تحلّقُ ما بينَ سنابلِ الزمانْ وبيادرِ المكانْ.

***

(*) اللوحة للفنان محمد عزيزة

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *