كما تسقطُ الخيول

Views: 349

د. جان توما

 

غزا العراةُ الأرضَ، والجياعُ اقتحموا الشوارع، وصارتِ الأرصفةُ أراجيحَ للمتألمين، وملاعب للموجوعين.

لم تتهالكِ الاجسادُ وتقع، بل ترنّحَتْ الإنسانيّةُ وارتمَتْ، كما تدحرجتِ الأوضاعُ يومَ سقوط أولى الخيول بعد وجع.

كان العالمُ متسارعًا تقنيّا ، في ثورته في معمعة المعلومات، مغترًّا بنهضته التكنولوجيّة بعد جنونه الصناعيّ، متلالئًا كحصان امرىء القيس الذي وصفه لسرعته مقدامًا أو متقهقرًا، قادمًا أو متراجعًا،  فشبهه بسقوطِ جلمودِ صخرٍ من علِ. كذلك بدا هذا العصر المتهالك المتسارع النبض التكنولوجيّ، والذي جعل الإنسان يودع عقله في جهاز في قبضة يدير حياته ويبرمجها. حين سقط العالم أمام أول جواد فيروس قاتل، كانت دربكة الخيول اللاحقة المتسارعة، فتعثّرتِ الناسُ، وانكشفَ عراؤُها في عراء العالم وفراغِهِ القاتل.

أمام الأجسادِ الإنسانيّةِ الهزيلة المتهالكة تتأمل في سرّك وعلانيتك: كم هي واسعة ميادين المدن، وكم هي قاسية أحلام المتسلّطين، أولئك الذين لا يفهمون السلطة خدمة، بل مجال تشاوف وكبر حال. قلائل يعرفون أنّ الحضور بين الناس كرامة، وهي مُنْزَلَة للمتّقين الفاهمينَ الساعينَ  للبرّ، كسعيهم إلى مكارمِ الأخلاقِ، ولطفِ المعشرِ، وحسنِ الجوار، فإماطة الأذى عن البشرِ والحجرِ صدقة، ورعاية، واحتضان من قَسَتْ عليه ظروف الحياة وتكاليفها.

***

(*) اللوحة للفنان محمد عزيزة ( ٢٠٢١)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *