“مطر خلف القضبان”… رواية مغمّسة بأوجاع السجينات والمهمّشات

Views: 129

الشاعر السوري جميل داري

 

أدب السجون هو كلّ الأعمال الأدبية التي كُتبت خلف القضبان، وهذا النوع الأدبي يجذب القارئ العربي ربما لأنّ أنطمة الدول العربية غالباً ما تحاول أن تخفيَ الحقائق المرة عن هذا العالم المظلم.

على الرغم من أهمّية هذا الموضوع إلّا أّن الروايات عن السجن نادرة وخاصّة عن سجن النساء، ومعظمها كُتبت عن سجناء سياسيين، أمّا الراوئية ميرنا الشويري في “مطر خلف القضبان ” فتتناول نواحيَ مجهولة عن السجن بأدقّ التفاصيل من منظور جديد، فتروي قصة امرأة بريئة سجينة حُكمت ب ١٨٧ قضية.  

 تروي بصوت مُشعّ  كيف تمضي السجينات أوقاتهنّ يوميّاً، وكيف يهتممن بجمالهنّ. وتسلط الضوء على الظلم في هذا العالم الذي لا يفصل بين السجينات بناءً على أنواع جرائمهنّ، وهذا يؤدّي إلى جرائم تُرتكب داخل السجن، فإحدى الشخصيات أم ماجد المتهمة بقتل عشيقتها تفرض على السجينات أن يشترين لها من دكان السجن حتى لا تعتدي على أجسادهنّ، وتفضح ميشا انتهاكات الدرك الذين يتحرّشون بالسجينات في النظارة أو في الشاحنة المخصّصة لنقل السجينات من السجن إلى المحكمة.

الراوئية ميرنا الشويري

 

رواية الشويري تخطف القارئ إلى تجربة قاسية للبطلة ميشا التي تحرق في رمادها والدها الذي يُصاب بالسرطان بسبب حزنه عليها وعلى صديقها أدهم. وعلى الرغم من كلّ هذه التجربة القاسية على ميشا إلّا أّنها تعيش يقظة روحية في السجن، فتصبح شعلة تضيء ظلام هذا العالم، فتقول:

“يا ربّ.. أغلق عيني وأسمعك، فأرسل لك محبتّي وطاعتي، وأخبرك عن وجعي الذي ينخر روحي من دون كلمات.

أرجوك أن تساعدني، أن أنسى من أساء إليّ من دون ذكرهم حتى لا أغضب. وأنا من تخلّى عنيّ الجميع، وتخلّيت عن نفسي، أصبحت ملكاً لك، لأنّك لن تتخلّى عني. نعم كلّي لك، ولكنّني ضعيفة، فأرجوك أرسل لي شعاعاً أمسكه بيدي عندما ترتجف روحي أمام العواصف. (newslive.com) ” (76)

شخصية ميشا تشي بأنّ العالم الخارجي سجن آخر، ولكن سجناؤه يلبسون أقنعة وتروي كيف عاشت أجمل أيامها في السجن إلّا أّنها لاحقاً تُصلب هي وطفلها من قبل المجتمع.

هذه الرواية تعالج مسألة السجن من خلال مزجها بقضايا أخرى كذوي الحاجات الخاصّة والقضايا النسوية، وكأنّ الكاتبة تتقصّد أن تزيل الحواجز بين كلّ هؤلاء المهمّشين،  لتؤكّد أنّ أوجاع السجينات غير مختلفة عن المهمّشين الآخرين، فالبطلة ماري أنجيلا صمّاء، ولكنّها تهتمّ بقضايا السجينات والنسوية، والرابط القوي بين ماري أنجيلا الصمّاء وميشا يرمز إلى أنّ الأرواح التي تسكنها الأوجاع تُحلّقُ مع بعضها حتى لو لم تلتقِ، فماري شعرت بأنّ ميشا صديقتها حتى قبل أن تقابلها، كما أنّ هذه الراوية تضيء كثيراً من المواضيع كالوهم وتجارة البشر والدعارة وأولاد السجينات حتى إنّ القارئ يشعر بأنّ قضايا كثيرة ولأول مرة تعالج من خلال منظور السجينات والمهتمّات بقضايا السجن.

أمّا العنوان ” مطر خلف القضبان” فيرمز الى أنّ المحبّة الحقيقية تمطر خارج السجن وداخله، فماري تلتقي بحبيبها تحت المطر، وحبيبها يقول لها إنّ الحبّ كالمطر، ويشير إلى أنّ الكاتبة العمياء والصمّاء هيلين كيلر تتعلّم من معلّمتها أنّ الحبّ كالغيم لا يرى، ولكن عندما تمطر فإنّ العالم كلّه يتبلل بالماء، لذلك تشبّه ماري ميشا بالمطر، لأنّ محبّتها تهطل على جميع السجينات.

ولكن متى كان المطر متاحًا فمنذ مطر السياب حتى مطر ميرنا ما زال الإنسان ينادي مع السياب: مطر مطر مطر..

“مطر خلف القضبان” رواية ذات أبعاد إنسانية، وكأنّ الروائية تُغمس ريشتها بأوجاع السجينات والمهمّشات الآخريات، لتكتب أوجاعهنّ بروح واحدة  تلامس روح العالم.

كما أنّها رواية صالحة إلى أن تتحول إلى مسرحية وإلى فيلم سينمائي .

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *