سجلوا عندكم

انطلاق مؤتمر “النهضة الاغترابية الثانية – لإبداع من أجل الحضارة والإنسان”/ الورقة الأولى:د. زياد علوش و”دور الأدب المهجري في اغناء الثقافة العربية مشروع «أفكار اغترابية» نموذج”

Views: 920

انطلق  مؤتمر “النهضة الاغترابية الثانية – لإبداع من أجل الحضارة والإنسان” الذي ينظمه  مشروع أفكار اغترابية للأدب الراقي-سيدني ، منتدى لقاء – لبنان، بستان الإبداع – سيدني. يصدر عن المؤتمر كتاب من جزءين او ثلاثة، يضم جميع الأوراق المشاركة، وترسل نسخ منه إلى المشاركين والمكتبات والكبرى. يعقد المؤتمر حضوريا في جلسة واحدة، فور انتهاء الازمة الصحية، وتقرأ مختصرات الاوراق بالنيابة عن المشاركين المقيمين خارج أستراليا.

في ما يلي الورقة الأولى  “دور الادب المهجري في اغناء الثقافة العربية  مشروع «أفكار اغترابية» نموذج” إعداد الصحافي د. زياد علوش – لبنان.

 

الكمال لله وحده وأعمال البشر يعتريها النقص، مع ذلك تهيبت الكتابة عن د. جميل ميلاد الدويهي، ولمَ لا أتهيب من رجل خرج من بين المنزلتين ليقول: الله هو الشاعر وأنا انتحل الصفة؟!

في هذ “المقام” اعترف بتحرير”الأطروحة” من القبضة المحكمة للتعريف الأكاديمي. ولست هنا لتأكيد المؤكد في اخلاص الدويهي للفكرة كإخلاصه لمتطلبات الفن الشعري والأدبي. كلماته تعكس صدق الالتزام والحب الخالص ونقائه وقوته واتّقاده وتمرّده على الانماط المعهودة… إنها ومضات يطلقها ساعات الصباح وعند الغسق خواطر وأفكاراً، ولئن سُجنت الكلمات بين دفتي الكتاب الا ان الافكار والمشاعر ما زالت حرة طليقة تحلق في الافق الرحب الاوسع، مطلقة العنان لمخيلة القارئ، يستنبط ما يشاء من الصور الابداعية والمعاني.

نصوص شجية تخبرنا كيف تتشكل أقواس قزح ولماذا تختفي؟ هو بحث عن كلمات تم تصويبها نحو حواجز المجهول وما لا يمكن إدراكه، حتى حين يكون للشعر خاصة معنى، وهو ما يحدث عادة، قد يكون من الأفضل ألا نلح على استخراجه… فالفهم الكامل سيحرمنا من متعة الأفكار التي تتنفس، والكلمات التي تحترق. هو الإحساس الذي عثر على فكرته، والفكرة التي عثرت على الكلمات ، لمَ لا؟! فالمهمة هي تنظيف الواقع المتخثر بالكلمات، بخلق مساحات من الصمت حول الأشياء به نداوي الجراح التي يحدثها العقل. حيث ينوجد في الحين الذي ندرك فيه أننا لا نملك شيئا،ً هو اللغة التي يستكشف فيها الإنسان دهشته. إنه أرقى أشكال النشاط العقلي، إنه بلوغ الجمال والدقة… هو الدليل على الحياة. وإذا ما كانت حياتك تتوقد جيداً، فالادب هو الرماد، بل هو النفق في آخر الضوء.

في مقالة سابقة تحت عنوان “الدكتور جميل الدويهي ومشروع الأدب الراقي” قلت: “في الوقت الذي تزدحم فيه منطقة الشرق الأوسط بمشاريع التقسيم على اسس عنصرية وافدة طائفية ومذهبية وعرقية ومناطقية ودينية… لتفتيت ليس فقط النظم السياسية بل النسيج الاجتماعي برمته. في هذة الأجواء الملبدة ومنذ جبران خليل جبران ونخبة الأدب المهجري الذي نهلناه على مقاعد الدراسة الأولى انقطعت أخبار الأدب اللبناني المقيم والمغترب لصالح المقاربات السريعة “عش سريعًا ومت شابًا”، الى ان كانت رحلة الأديب والشاعر الدكتور جميل الدويهي نحو إعادة الاعتبار للجمال وأدب الاصالة. بالتأكيد ليس المكان هنا لاستعراض ميزات الأدب المهجري والمقيم، القديم منه والحديث، وليس عن تفرد الدويهي بين أقرانه. إن أهمية مشروع الدكتور الدويهي الادبي ربطا بزيارته الحالية (صيف 2019) لوطنه لبنان في الظروف الحالية السالف ذكرها في منطقة الشرق الأوسط، حيث سيادة العنف الممثل بالصهيونية والفساد وإلارهاب، فإن مشروع الأديب الدويهي القائم على الجمال والثقافة والادب والشعر بما يعني في بعده الإنساني من حوار وسلام وتواصل وشغف ومحبة مناقض تماما لما هو سائد. لا شك أن محاربة التطرف والارهاب والفساد تتطلب إعادة الاعتبار للمقاربات إلانسانية الاصيلة التي يمثلها مشروع الأديب الدويهي، لا سيما في لبنان. وقد أغرت العنقاء بعض اللبنانيين فاسلسوا لها قيادتهم على غير رغبة حقيقية منهم. فأهلا بك الصديق والزميل العزيز د. جميل الدويهي وانت تنثر عطرك الفواح وتجمع لبنان من أقصاه إلى أقصاه على كلمة سواء ومشروع نحتاجه كالماء والهواء، وانت تؤكد أن المعاني الإنسانية السامية وثقافة الجمال وغاية التواصل التعارف كانت فطرة أزلية سبقت كل شيء وان ما بعدها من دين وفلسفة جاءا لتاكيدها، فما أحوجنا هذة الايام في لبنان خاصة وفي عالمنا العربي عامة إلى العودة لاصالتنا الجامعة التي من خلالها نحيا ونعيش ونطل بها على العالم أجمع، وهل هناك منصة لتلك الاطلالة تفوق أستراليا القارة والدولة العزيزة التي تحتضن بأبوة أبناءنا المهاجرين والمغتربين دون إغفال أية منصة على مساحة العالم أتاحت لأبنائنا التميز والتعبير عن ذاتهم التي اغنيت الانسانية جمعاء؟”

أطلق الدكتور ميلاد جميل الدويهي مشروع «أفكار اغترابية» اواسط العام ٢٠١٤، وبالتوازي أنشأ موقعاً للأدب الراقي باسم «أفكار اغترابية» أيضاً. المشروع يهدف إلى نشر «الأدب الراقي والرفيع»، وتعميم الرؤية الحضارية وثقافة السلام والمحبة والخير، ومساعدة الأدباء على نشر أعمالهم سواء في موقع أفكار اغترابية أم في كتب، تحت عنوانين هما الابداع والرقي، رسالة “الدويهي” تظهير الأدب المهجري في أستراليا على حقيقته، وقد نجح في ذلك وبدأ الناس يقارنون ويحكمون.

مشروع «أفكار اغترابية» هو ثورة في أدب الاغتراب في سيدني، حتى قيل ان “الدويهي” نقل مركز الثقافة العربية إلى سيدني بدلاً من بيروت والقاهرة ودمشق، وأطلقوا عليه اسم النهضة الاغترابية الثانية.

“الدويهي” ليس شاعر تفعيلة ولا قصيدة نثرية ولا زجلية، ولا هو روائي أو مفكر أو أكاديمي، هو كل ذلك، وكتبه موجودة لمن يريد أن يطلع عليها.

في أعماله تجد الواقعية والرمزية والسوريالية والرومنطيقية… ولأنه كثير التنوع لا يحصر نفسه في مذهب واحد. وهو القائل: «أتمنى أن أكون ذات يوم مدرسة يقتدي بها الآخرون. وهناك العديد من الأدباء حول العالم كتبوا محاكاة لأعمالي ونسجوا على منوال قصائدي». إنه سفير الإرث اللبناني والعربي الاديب الدكتور جميل ميلاد الدويهي.

تعد (وسائل الاعلام) المختلفة، أحد أهم (الأمور) المؤثرة في تكوين ثقافة المجتمع ومؤسساته المختلفة، وفي إحداث حركة (وعي) متنوعة، بل وفي تسريع انتشار (المصطلحات) و(المفاهيم) السياسية والفكرية والحقوقية والثقافية المعاصرة، مثل (حقوق الانسان) و(الحداثة) و(الديمقراطية) و(التعددية) و(العولمة) و(حقوق المرأة) وغيرها، لذلك لا يمكن الحديث عن التأثر والتأثير ما لم يحدث ذلك الاتصال والتواصل. وهنا اقتبس مما كتبته بعض الصحافة في الاديب والشاعر الدويهي.

“عندما أعلنـّا عن مهرجان الأدب الراقي، ظن العديد من الناس أنّه مهرجان يشبه مهرجانات بعلبك، أو مهرجانات الصيف في لبنان، أو أنّه على الأرجح مهرجان يشارك فيه عشرات الشعراء وترعاه دولة أو منظمة دولية. ولم يصدق أحد أن شاعراً واحداً هو الذي نظم المهرجان، ودعا إليه، ورتّب فعالياته. المهرجان كان مهرجاناً بالحقيقة لأنه شهد، لأول مرة، ربّما في التاريخ، أن يطلق أديب وحده أربعة كتب دفعة واحدة. ليس هذا فحسب، بل إن الكتب تتنوع بين الرواية (طائر الهامة)، والتأريخ (أشهر المعارك الإهدنية في التاريخ)، والشعر (لا تفكري صار الهوى ذكرى)، والفكر الفلسفي (في معبد الروح)”.

وفي سياق متصل وبشيء من التعلم بالفعل المنعكس الشرطي الذي يصبح نهاية بمثابة الإيعاز، فإذا ما ذكر الاديب الدويهي ذُكر الحواريون، عنيت الاديبتين مريم رعيدي الدويهي وكلود ناصيف حرب كانعكس مباشر للضوء والنور ترداداً وتفاعلاً وشرحاً وتعليقاً…

تقول الأديبة مريم رعيدي الدويهي: “يحقّ للجميل أن يتمرّد… ويرتفع بارتفاع أعمدته… نحن لا نتحدث هنا عن شاعر مرّ في عصر، بل عن شاعر وأديب ومؤرخ ومفكّر وناقد وباحث أكاديمي وكاتب سياسي، ومترجم… كأنه عصور مختلفة، أو رجال لهم هيئات متمايزة، واسمهم واحد، هو جميل الدويهي… يعيش على بعد 16 ألف كيلومتر من بلاده، ويؤسس لنهضة اغترابية ثانية، هي بحق نهضة لا مثيل لها…هذا هو الدويهي، لاعب السحر، وضحايا سحره أكثر من أصابع اليد، حوّلهم إلى رسل، لا تنحرّك ألسنتهم إلا بذكره، ولا يغتبطون إلاّ بنقل مآثره إلى الآخرين، فيقول: أكاد أصدق ما يقولون، ويعرفون عنّي أكثر ممّا أعرف عن نفسي. إنّهم رسال العصر الدويهي الجديد، طيّرت عقولهم معجزة تحويل الحبر إلى خمرة طيبة، وكيف أنه العاصفة التي تطيح بالصمت والجمود، وأدبه الفكرة اللماحة البعيدة كل البعد عن التكلف والتصنع والنظم البارد… وسيظل هذا العبقري اللبق، عميد أدب المهاجر، يلعب بالسيف والدرع، وكلما يمضي إلى السوق ليشتري ويبيع، تسير إلى جانبه ملكات الشعر، وفوداً وجماعات، فله ولمكانته تليق مواكب الملكات.”

ومن الأديبة كلود ناصيف حرب إلى جميل الدويهي نقرأ: “في آخر يوم من السنة، وبداية سنة جديدة، ماذا أقول للعبقري اللبق، رائد النهضة الاغترابية الثانية، وزعيمها من غير منازع، المتعدد في أدبه، والمضحي بكل ما عنده من فكر وإرادة وسهر وتعب، من أجل حضارة الإنسان؟ وبين هذه الباقة من الكتب، وهذا الإنجاز الذي لا يُصدّق، لولا الإثباتات الدامغة، أعتز بأن لي مساهمة في هذه النهضة التي أرادها الدويهي، ونشر أعلامها على القمم… ونحن سنبقى معك أيها الجميل الجميل، ونبشر أنفسنا بإنجاز مماثل في العام المقبل، ولا تطلب من النقاد أن يؤرخوا، فهذا واجب، وخدمة الحقيقة يجب أن تكون تلقائية، لا انتقائية. وأنت تضع أعمالك في وضح النهار، لكي يراها الناس، ونحن نراها، ونعترف بأنها قيم وإنجازات ضخمة تعجز عنها دول ووزارات ودور نشر ربحية، فألف شكر لك، واعتزاز بقامتك الأدبية والفكرية، وكم هو رائع أن يكون الجميع مدعوين إلى مائدة العطاء الدويهي الذي لا حدود له، وأن يكونوا شاهدين بصدق، نقاداً وإعلاميين ومهتمين، على نهضة قل مثيلها، تنطلق من قلب سيدني إلى قلوب المحبين في كل مكان. كل عيد وأنت بخير يا عميد الأدب المهجريّ، والمقارنة هي التي تثبت وتبرهن، ولا تحتاج إلى منجمين للحديث عنها. محبتي ووفائي إلى ما بعد بعد الزمان”.

***

حظي مشروع “الأدب الراقي” للدكتور جميل الدويهي بعناية الدارسين ونقاد الأدب وما زال كذلك، ولهذا الأدب محبوه ومتذوقوه، فقد كان فتحا في أدبنا الحديث، فتح عيوننا على مباهج الحياة، وروعة المغامرة وإغراء الحرية ، إذ خرج بالأدب المهجري من رحم المعاناة مبشراً بعصر الخصوبة وبقيام طائر العنقاء من رماده صحيحا معافى معليا صرحا جديدا من الأدب الخلاق المتميز بصدق الشعور ونزعة التجديد والغيرة على حاضر الأمة ومستقبلها، متزودا من الثقافة العربية الأصيلة والغربية البناءة، مستفيدا من أرض ترعرع فيها هي “استراليا” حيث للفرد قيمة وللعلم المكانة الأولى.

ونحن في هذا المقال راصدون لدور الاعلام في نقل الأدب المهجري، تاركين القيم الانسانية التي تضمنها والجمالية والفكرية لمقالات أخرى. وإنه لحقيق بنا نحن ورثة هذا التراث الأدبي الضخم أن نتمثله وأن نساهم في نشره ومأسسته وأن لا تبقى المسؤولية فردية بما تتطلب من جهود وامكانات.

أضف إلى ذلك، وقد اضحى العالم قرية كونية واحدة بفعل ثورة الاتصال والتواصل وسيطرة “العولمة” والتي غزت أسواقنا بمنتجاتها الغثة والثمينة وما نحن في حاجة إليه وما نحن في غنى عنه والتي أدت في النهاية إلى تسطيح الفكر والشعور والجري وراء بريق الألفاظ دون أن نكلف أنفسنا عناء البحث عن المضمون. إنها عولمة في بعض اوجهها حولتنا إلى كائنات طفيلية مستقبلة ومستجيبة لكل المثيرات الواردة من الضفة الأخرى، وكأن صرخة المهجريين في النصف الأول من القرن الماضي ذهبت أدراج الرياح ، وما أحرانا اليوم أن نعود مع “افكار اغترابية” إلى تلك القيم الإنسانية التي تضمنها الأدب المهجري وصدح بها وعاش لأجلها. لاننا عندما نتحدث عن الثقافة العربية في المهجر، تنفتح الذاكرة على تلك المدارس الأدبية التي أسستها أجيال من المهاجرين العرب إلى أمريكا الشمالية والجنوبية في بدايات القرن العشرين، في ما عرف بعد ذلك بأدب المهجر. في المقابل عندما نتناول المسألة نفسها في الوقت الراهن تقفز إلى أذهاننا إبداعات فردية لكن هذة المرة في استراليا “الدكتور جميل ميلاد الدويهي” نموذج.

بحيث يمكننا القول إن أدب المهجر في استراليا قد وصل إلينا وأصبح بداخلنا لدرجة أننا نتنفسه كل يوم في ظل وجود قنوات الاتصال الحديثة مثل الإنترنت، والمطبوعات العربية في كل من استراليا ولبنان التي تنقل لنا الادب المهجري ونشاطاته. فلم يعد هناك شيء خفي. كل شيء أصبح معروضاً. ولا توجد موهبة حقيقية خفية في ظل كل وسائل الاتصال هذه.

إن المتأمل للمسألة سيجد أن ثورة الاتصالات أحيت مدرسة المهجر القديم فما بالنا بالجديد؟

وعليه فإن المشكلة هي في معرفتنا القاصرة والضعيفة احياناً بما يُنجزه المثقفون والكتاب العرب في الخارج، وليس إلى انخفاض مستوى نتاجهم أو هشاشة أعمالهم. بشكل عام، علينا أن نكون فخورين بالعديد من التجارب العربية في الخارج، لا سيما في استراليا حيث “مشروع افكار اغترابية للأدب الراقي”نموذج.

أختم مع الصديق الدكتور عماد فغالي وهو يقول في الدويهي: “عرفتُكَ يا سيّدُ تحصد ما زُرعتَ فيه. وإن اقتلعتَ ذاتكَ إلى الهجرة البعيدة، إلّا أنّكَ غائصٌ دائم ومتمكّن في الجذور التي أنبتتْك، رغم الأشواك التي تغمر الطرقات!

 جميل الدويهي، قرأتُكَ روائيًّا، لتؤكّدَ لي مرّةً جديدة، هذه المرّة مزدوجة، أنّكَ شاملُ الأدب. خضتَ أنواعَ الكتابة بإبداعيّة، وهذا نادرٌ يميّزكَ. وفي كلّها أعلنتَ الكلمة في أبعادها الإنسانيّة المثلى.  شكرًا لأنّكَ طائرُ الهدى، في يراعِكَ غصنُ سلامْ، يشقّ البحار يحملُ الخير، ويَنشدُ المراقي… حسبُنا نعتبر!”

***

*غداً 11 كانون الثاني 2022، ورقة الإعلاميّة الأستاذة إلهام سلطان – سوريا

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *