سجلوا عندكم

مؤتمر “النهضة الاغترابية الثانية – لإبداع من أجل الحضارة والإنسان”/ الورقة 2- الإعلامية إلهام سلطان – سوريا: “الجميل… مرايا النور – بحثه عن الخلود وحكايته مع بناء الانسان”

Views: 867

انطلق  مؤتمر “النهضة الاغترابية الثانية – لإبداع من أجل الحضارة والإنسان” الذي ينظمه  مشروع أفكار اغترابية للأدب الراقي-سيدني ، منتدى لقاء – لبنان، بستان الإبداع – سيدني. يصدر عن المؤتمر كتاب من جزءين او ثلاثة، يضم جميع الأوراق المشاركة، وترسل نسخ منه إلى المشاركين والمكتبات والكبرى. يعقد المؤتمر حضوريا في جلسة واحدة، فور انتهاء الازمة الصحية، وتقرأ مختصرات الاوراق بالنيابة عن المشاركين المقيمين خارج أستراليا.

في ما يلي  الورقة الثانية: الإعلامية إلهام سلطان – سوريا: الجميل… مرايا النور – بحثه عن الخلود وحكايته مع بناء الانسان

 

 

بينما نحن في زمن الطوفان الأسود، والعواصف العشواء التي تدمر حياتنا فكرياً، وتشوه ثقافتنا وأخلاقنا وهويتنا ومبادئنا، والخمار الذي يرخي بسدوله على مساحات الضياء والأمل والحرّية في وجودنا… يطل علينا د . جميل ميلاد الدويهي بقلمة الأبيض الذي يحمل مساحات من الصفاء، والنقاء، ومن مزنات العطر، وروابي  الضياء… يطل علينا بأحرف ذهبيه وكلمات قرمزية وعبارات وضاءة بزرقة الحلم، ليحملنا إلى أرض الانسانية، أرض البهاء، أرض الحق، وأرض المحبة… حاملا مشعل الحرّية، والفرح، والفكر، والثقافة والفن، والجمال وكلّ معاني الانسانية التواقة إلى الفجر وإلى حضور الشمس…

د جميل الدويهي مكتبة متنقلة، شلال هادر من الأفكار، صحائف من القيم والمبادئ. هناك من بلاد ما وراء البحار، من سدني ما زال إنتاجه يزهر، حيث أصدر ١٨ كتاباً سنة ٢٠٢١، أي بمعدل كتاب ونصف شهرياً ، إيماناً منه بأن الكلمة هي الأقوى في معركة الحضارة.

 المحور الاساسي لكل كتاباته هو الانسان وبناء إنسانيته، وتحرير فكرة من القيم الزائفة، وانطلاقه إلى عالم النور، عالم المعرفة، عالم الحق ، عالم الحرّية وعالم البصيرة…

ولكي نعرف جميل الدويهي الناطق بالحقّ، فلنقرأ كتبه الفكرية، وآخرها كتاب “أفكار خارج العزلة” الذي سيصدر عام 2022.

الدويهي يدخلنا إلى مدن تصقلنا، ويعرّفنا بأناس يوسعون آفاقنا، ويسرد لنا حكايات تنعش أيامنا، ويضعنا أمام قصص تغني تجربتنا، فلنقرأ مثلاً قصة “الناطق بالحقّ شيطان” التي يبدأها بهذا الكلمات:  “أخبروني عن رجل ترك الحضارة وذهب إلى مغارة ليقيم فيها، ويعيش على الكفاف، لاعناً البشر، وجنونهم، وشهواتهم، وقيَمهم المزيّفة”…

وبعد حوار دار بينه وبين هذا الرجل الذي يئس من البشر، يقول: “واجهتُه بنبرة العارف المتيقّن: إنّ ما تذهب إليه صحيح، لكنّ من الخطأ أن تتخلّى عن قول الحقّ لتعيش في صمت. إنّ الماء الذي يحزّ في الصخر يقطعه يوماً بعد يوم، وإذا كان البصر لا يقاوم المخرز، فالبصيرة تقاوم السيف والبندقيّة.

هزّ برأسه رافضاً أن يتزحزح من مكانه، فيئست من محاولة إقناعه برؤيتي…”

 هنا تكمن القيمة الحقيقيّة لفكر الدكتور الدويهي ورسالته، في إيمانه بقوة الكلمة وإيمانه بالانسان الجريء، وقدرته على تغيير العالم:  “ودّعته قائلاً: نحن مختلفان أيّها الرجل الذي لا أعرفه، فأنت شيطان أخرس، وأنا شيطان يصرخ بالصواب. وسأظلّ أكتب وأقرأ وأعظ في المدن، مؤمناً بفكرتي، وإذا كان هناك من يكرهون الكلمة، فعندي أبراجٌ لها، لا يطالها رمح قائد ولا ملك عظيم. وإذا كان في المجتمع مَن يعتقدون أنّ أظافرهم يجب أن تكون في كلّ جهة، ولا تسير مركبة أو قافلة إلاّ طوع أمرهم، فلديّ مبرد جائعٌ يلتهم الأظافر الطويلة، ومنطقي هو الأمر على الذين يأمرون بالباطل ويعجبون بأنفسهم في مرايا تظهرهم أكبر من أحجامهم أو أعظم مقاماً… صدّقني أيّها الرجل التعيس: إنّ الشجاعة تغلب الكثرة، ولا ينتصر تحت الشمس إلاّ الجريء الذي يعتبر أنّ كلامه للخلود، وأنّ سكوته أبشع من جنازته.”

هنا يذكرني الدويهي بجلجامش، وسعيه للخلود بعد ان حصل على نبتة الخلود… جلجامش وايمانه بأهل أوروك كانا حقيقة واقعية، وبعد أن تأكد من عشبة الخلود، كانت أولى الكلمات التي قالها إثر خروجه من الماء: سأحملها معي ألي أوروك المنيعة وأعطيها للشيوخ يقسمونها، ولسوف آكل منها أيضا فأعود إلى شبابي”…

لقد كان جلجامش فعلا حامياً لأوروك ولأهلها، ولهذا حينما حصل على العشبة لم يفكر بنفسه، بل بأهل أوروك أولا،ً وهذا ما جعله يحتفظ بالعشبة ولا يأكل منها. ومثل هذه المواقف لا تكون ألا عند من يضحون بأنفسهم في سبيل نشر القيَم وبناء الانسان.

إن جلجامش الإنسان الذي ولد على هذه الأرض، قام ببناء مدينة حديثة ووضع فيها الأنظمة الديمقراطية، ما جعلها رائدة عصرها في تكوين الحضارة والثقافة الإنسانية، وأيضا  الدكتور الدويهي الذي أشرق في عالمنا، قام ببناء مدينة المعرفة والثقافة، وجعل العالم قرية صغيرة تحمل كل القيم السامية، وأرادها مدينة فاضلة، ومدّ جسور المحبة والمعرفة بين الشرق والغرب، فهو حامل لرسالة جلجامش في سعيه للخلود، من خلال ضفائر المعرفة والنور التي ينشرها في أرجاء العالم.

وفي كتاب “افكار خارج العزلة” يتحدّث الأديب الدويهي عن زائرين، يأكلون عنده ويشربون، ولا يعرف وجوههم، وكانوا يرتدون أقنعة، ولعلّهم ظنّوا أنّه هو أيضاً يرتدي قناعاً ويظهر بغير وجهه الحقيقي.

فعلاً، نحن الغرباء في أوطاننا، نلبس أقنعة الحب ونبحث عنه… نتكلم بلسان الغير لأننا لا نتجرأ على البوح بما نرغب… زوارنا غرباء، لكل لغته، فاللغات هي للقلوب وليست للأقلام… فهلا تحدثت تلك القلوب وباحت بمكنوناتها؟

ونحن أيضاً زوار لهذا العالم الذي يدّعي المدنيه، ويحمل رواسب من ماض بائس، يقدّم إلينا عقليّته وديانته وآراءه دون انسجام. والكل مقتنع بأنه يفعل الصحيح وغيره يرتكب الخطأ.

نعم، أكل الضيوف، خرج الضيوف، دخل ضيوف… ونحن ضيوف إلى مائدة، نرجو أن يكون عليها بعض الحب، بعيداً عن الحقد والحسد والتطرف. ليت المدينة الفاضله تزورنا يوماً، تأكل عندنا وتطعمنا… ربّما يحل الوئام والمحبة النقية يوماً!

 لقلمك جميل الدويهيى باقات من العطر، من الضوء، ومن المحبة الانسانية والسلام الداخلي…

إن القيمة الحقيقة للانسانية والهدف الاساسي من وجود الانسان على الأرض هو انجاز الرسالة الإلهية في بناء البشريّة وإعمار الأرض، ومباركة الأفكار والأقلام والسواعد التي تحمل هذه الرسالة. وإن بناء الانسان والاستثمار فيه هما السبيل إلى تقدّم المجتمعات والازدهار الحضاري، إذ إن الحضارات والدول لا تقاس بعمرانها وثرواتها، بل باهتمامها ببناء الانسان الذي يشكل الجزء الكبير في مسيرة الحياة، ونهوض الحضارة، ويساهم في التطوير والتوازن في هذا الكون.

نعم أيها الدويهي، الزمن والتاريخ والانسانية ستهبك الخلود وستنقشك وشماً في صفحاتتها الوضاءة، وستخلدك في ذاكرتها الابداعيه، وترسمك شمساً في سحر سمائها… وستبقى أنت أيقونة المحبة في ذاكرتنا!

***

(*) غداً 12-1-2021 ورقة د. عائدة قزحيا حرفوش – لبنان

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *