أوميكرون وسلامة الصّحة العقليّة
د. فادي أبو مراد
فيما يتابع أوميكرون غزوته، تكثُر الأعداد الصادمة من السّكان والمرضى بطلب المساعدة بسب اختلال في قدراتها العقليّة والإدراكيّة. من أهمّ العوارض التي نرصدها: الإرهاق، الاحتراق الذاتيّ والقلق، فضلاً عن التوتّر والكآبة. كلّنا مُرهق وكلّ واحد منّا قد واجه في السنتين المنصرمتين، أو يواجه أو يتحضّر لمواجهة حالة من التوتّر والقلق . الناس مخذولة، وتريد العودة الى ما كانت عليه، أو إلى ما يُسمّى حياتها الطبيعيّة، وإلى الحرّية الغالية الثمن، وأقدس ما في الانسانيّة.
ترافقت الهبّة الجديدة للوباء مع هبّة من الاضطرابات النفسيّة والعقليّة، وذلك لانّ الناس – وعلى أثر نشاط المتحوّر الجديد – شكّكت، عن غير حقّ، بمفعول اللّقاح، وتعاظمت مخاوفها من الابتعاد عن زمن انحسار الوباء ونهايته.
اذا أضفنا التنكيل المتواصل بالمواطنين اللبنانيين والسكّان، نشعر وكأنّ المرونة المرجوّة للصمود، لم تَعُد كافية لمواجهة الشدّة المُعاشة على كلّ الصّعد. الكثير يُفتّش عن مساعدة لتعهّد كآبته، والبعض يتمرّغ في وحول المخدّرات، وهو تحت تأثيرها، وتزداد أشواطًا أفكار الانتحار، وأعداد محاولاتها على تصاعد عند الأولاد والمراهقين.
نحن لا نستشرف فقط اللوحة، بل نحن في صميمها…قالت لي سيّدة زارتني في العيادة، بأنّ أولادها لا يتكلّمون مع رفاقهم إلاّ بيوميّات المخاض اللبنانيّ واختباراتهم مع الأهلين. ومن المعروف بأنّ النموّ العاطفيّ للأولاد مرتبط بتفاعلهم مع رفاقهم، وخاصة في المدارس. نعرف أيضًا آثار التعلّم عن بُعد على صحّة الاولاد العقليّة، والتي ظهَرَت جليّة بعد اختبار العام الفائت. تُحاول العديد من المدارس توفير مرافقة سيكولوجيّة لازمة للاولاد لكنّها، على أهميّتها تبدو غير كافية. لا يمكننا تقديم مساعدات جزئيّة، لانّ الهزالة بشكليها الجسديّ والعقليّ تتطلّب جهودًا جبّارة ومكلفة. فلحماية السّكان مثلاً من أوميكرون، قرّرت الحكومة الاميريكيّة توزيع الملايين من كمّامات N95 مجانًا على السّكان، إضافة الى توزيع ملايين أدوات الفحص الذاتيّ لرصد كوڤيد-١٩ على الطلاب. إنّ دعم الهزالة vulnerabilite غالية الثمن هذا اذا كنّا جدّيين بما نريد فعله.
مع تفشّي أوميكرون والارتفاع المدوّي للاصابات، يُبدي البعض تخوّفًا من إصابتهم أو إصابة أحد أحبائهم معتقدين بأنّه يصعب العيش بسلام وأخبار الانتشار الكثيف، والموت تتوالى وتغلي ما في الصدور.
لا نعرف الآثار العقليّة المستقبليّة لما نشهده ونمرّ به اليوم. فالكثير لم يختبر حالات مُماثلة، أو ضربات متتالية، كالتي يرزح تحتها منذ سنتين.
بالرغم من إمكانيّة عدم القدرة على السيطرة، على الصعوبات النفسيّة والعقليّة التي تواجهها شرائح كبيرة من السكّان، من كلّ المستويات والأعمار والفئات، هناك بعض الطرق التي يمكنها الحدّ ممّا نعيشه من كآبة وتوتر وقلق:
١- اذهب خارجًا على الاقل ل ١٥ دقيقة يوميًا، وخذ بعض الهواء العذب النظيف، أو استفد من أشعة الشمس في ساعاتها الذهبيّة.
٢- مارس الرياضة وقُمْ بتحريك جسمك لمدة ٢٠ دقيقة يوميًا.
٣- حاول كتابة يومياتك معترفًا بمشاعرك والاضطرابات التي تواجهها.
٤- وطّد الاتصال بأفراد عائلتك وأصدقائك. شبّك معهم من خلال مقاربات خلاّقة مستعملاً منصّات التواصل الاجتماعيّ vidéo call.
انّ الاهتمام الذاتيّ بمشاكلك يُثبت الاهمية الكبيرة في ظلّ هذه الازمة الفريدة. وفي حال لم تتمكّن من السيطرة على هذه الاضطرابات، والقفز فوقها بمفردك، أو بمساعدة الأصدقاء وأفراد العائلة المُحبّين المتفهّمين، لا تتردّد في الاتصال بأحد الاخصّائيين في هذا المجال. ونحن أيضًا على أتمّ الاستعداد للمساعدة والمرافقة وتوفير اللازم، ونقوم بمهمتنا بطرق مختلفة مستعملين ما تمكّن من منصّات التواصل عن بُعد لاهداف صحّيّة.
لا تنسَ يومًا بأنّه مهما تفاقمت الظروف واشتدّت عليك الازمات، لا بدّ من حلول وإمكانية للمساعدة. إنّ أهمّ إيجابية لهذا الوباء الذي عَصَف هو جعل الناس تحكي بطلاقة وتبوح دون خجل أو تردّد، عن مشاكلها النفسيّة والعقليّة كاسرة رواسب هذه الاضطرابات ووصمتها المجتمعيّة.