مؤتمر “النهضة الاغترابية الثانية – لإبداع من أجل الحضارة والإنسان”/  الورقة 7:  الأديبة كلود ناصيف حرب – سيدني: “أفكار اغترابيّة بيتي ومدرستي… وأعتزّ بأنّني نشرت أعمالي منها”

Views: 520

انطلق  مؤتمر “النهضة الاغترابية الثانية – لإبداع من أجل الحضارة والإنسان” الذي ينظمه  مشروع أفكار اغترابية للأدب الراقي-سيدني ، منتدى لقاء – لبنان، بستان الإبداع – سيدني. يصدر عن المؤتمر كتاب من جزءين او ثلاثة، يضم جميع الأوراق المشاركة، وترسل نسخ منه إلى المشاركين والمكتبات والكبرى. يعقد المؤتمر حضوريا في جلسة واحدة، فور انتهاء الأزمة الصحية، وتقرأ مختصرات الأوراق بالنيابة عن المشاركين المقيمين خارج أستراليا.

في ما يلي  الورقة  السابعة:  الأديبة كلود ناصيف حرب – سيدني:  “أفكار اغترابيّة بيتي ومدرستي… وأعتزّ بأنّني نشرت أعمالي منها”.

 

 

بدأت تجربتي مع مشروع الأديب اللبنانيّ المهجريّ د. جميل الدويهي، منذ عهد قريب. فقد كنت أكتب خواطر متفرّقة، وأنشرها على فايسبوك، قبل أن أنضمّ إلى المشروع، شريكة في فكرة أدبيّة مضيئة، انطلقتْ من أستراليا، بعد عودة الأديب د. جميل الدويهي من لبنان في أواخر عام 2013. وهذه الفكرة التي توهّجت في مخيّلة الدويهي، ما لبثت أن أصبحت حركة عالميّة، تجاوزت القارّة التي نعيش فيها إلى القارّات البعيدة، وباتت أستراليا، التي كانت أدبيّاً، قارة شبه منسيّة في أقاصي المحيط، على كلّ شفة ولسان، فليس غريباً أن تصبح مدينة سيدني عاصمة للثقافة العربيّة (تعبير الناقد والأديب نبيل عودة). وليس غريباً أيضاً أن يكون “أفكار اغترابيّة” محطّ أنظار النقّاد والباحثين والمؤسّسات الثقافيّة، التي ترى في المشروع شريكاً، أو توأماً، أو صديقاً من الأصدقاء الكبار.

وأفكار اغترابيّة، هو مدرسة، ليس للأدب فقط، بل للفكر، والذوق الرفيع، والإنسانيّة المبدعة، والحوار الحضاريّ. وكتابات الدويهي كلّها تصبّ في هذا الإطار، فقد كتبَ كثيراً عن المحبّة، والعدالة، والتسامح، والإخاء الإنسانيّ… غير أنّ كتاباته ليست جافّة، بل أدبيّة راقية، ذات شعريّة أخّاذة… فتحوّل النثر عنده إلى حديقة ملوّنة، فيها من كلّ أنواع الزهور والنباتات، والذي يتصفّح أعمال الدويهي يجد فيها متعة سحريّة، فتجذبه العبارة، والتركيبة السهلة الممتنعة، والنصّ الهادف. فليس عند جميل نصّ ليست له غاية. ولا نعثر على ترف عنده، فهو يعتبر أنّ للأديب رسالة. يقول:

“الشاعر الذي لا يشعر بآلام الناس ليس شاعراً… والمبدع الذي لا يفهم أنّ الكلمة حقّ وعدالة ليس مبدعاً… والكاتب الذي يبيع ضميره من أجل حفنة من المال… ويتمسّح على أبواب القصور من أجل وسام أو رتبة فارس… لا هو فارس ولا هو يستحقّ أيّ وسام. والمفكّر الذي يتجاهل صرخة الشعب ويصغي لصوت النظام هو خارج على قوانين الفكر… ولا ينتمي إلى محيطه”.

فكيف لا ينتمي أحدنا إلى هذه المدرسة؟ وهل هناك أشرف من أن يكون الإنسان شاعراً، ومفكّراً إنسانيّاً في الوقت ذاته؟

وهل يمكنني أن ابتعد عن مدرسة الإبداع الحقيقي، التي تعتبر الأدب منصّة للتبشير والرقيّ الحضاريّ، وكُتُب الدويهي “في معبد الروح”، “تأمّلات من صفاء الروح”، “رجل يرتدي عشب الأرض”، هكذا حدّثتني الروح”، “بلاد القصرين”، “الذئب والبحيرة”، “طائر الهامة”، و”حدث في أيّام الجوع”… هي صرخات من أجل الحقّ والعدل واحترام الروح الإنسانيّة؟

كيف لا أنضمّ إلى مَدينة، وإلى عدّة شعراء وأدباء يسيرون على الأرض، ويرفعون رؤوسهم إلى سماء النبل الإنسانيّ؟

وعليّ هنا أن أشرح كيف أنّ الرجل يكون عدّة رجال في وقت واحد، وأستخدم المقارنة التي قد تكون ثقيلة على السمع أحياناً، لكن لا بدّ من قول الحقيقة، مهما طال الزمان. وسيكون غريباً فعلاً، وخارجاً على المألوف، أن نتجاهل ظاهرة التنويع التي اختصّ بها الدويهي وحده، فيما كثيرون يكتبون نوعاً واحداً لا يحيدون عنه. فالطموح الدويهي أبعد من النوع، وهو لا يركن ولا يهدأ، بل يسهر الليالي الطوال، ويكتب كلّ يوم بطريقة مختلفة، حتّى أثار العجب، وأطلق ثورة عارمة على الجمود، فاستحقّ لقب العبقريّ اللبق الذي وصفتُه به، وعبقريّته تأتي من الفرادة، ومن تحليقه في سماء عالية بجناحين لا ينكسران ولا يتعبان.

ولكي لا يقال إنّني أتحدّث بعاطفة، ألفت النظر إلى موقع “أفكار اغترابيّة”على الانترنت، وفيه العشرات من كتب الدويهي، تتوزّع بين الرواية، والقصّة القصيرة، وأدب الأطفال، والفكر، والدراسة الأكاديميّة، والشعر بأنواع ثمانية، والتأريخ، وباللغتين… وكلّها تثبت صحّة ما أقول، وتدلّ على غنى غير مألوف، وتميّز حقيقيّ من غير ادّعاء… والحقيقة عندما يعلنها الدويهي لا يخجل بها، ولا يعتبرها من سمات التعجرف أو الغرور، فاسمعه يقول:

“عندما يعرض إنسان إبداعه أمام الآخرين، فإنّه يمجّد عمل الله فيه، ولا يتقصّد الإيذاء والضرر… فاللصوص والكذبة، وشاهدو الزور، ونابشو القبور لا ينشرون بضاعتهم في عين الشمس، بل يحجبون أفعالهم لكي يشعروا بالأمان. أمّا صانع الجواهر، والرسّام، والشاعر، والنحّات، والخيّاط فإنّهم يعرضون أعمالهم بفرح، ولا يخافون من العقاب، بل ينتظرون من الناس أن يغتبطوا بأعمالهم ومآثرهم”.

من هذه الفكرة، التي يعارض فيها الدويهي أولئك الذين يطلبون من المبدع أن يختبئ، أو أن يطفئ قناديله المشعّة، ويقارع مَن يجهدون لتحييد الأنظار عن المنجزات الرفيعة، قرّرت أن أكون جزءاً من مشروع “أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي، الذي أعتبره الآن بيتي الثاني، وأهلي وعشيرتي. وفيه التقيت بأصوات إبداعيّة هيّأ لها المشروع طريق الظهور والـتألّق. وقد دخل إلى المشروع كثيرون، فنشروا أعمالهم، وشاركوا في الأمسيات والمهرجانات الكبرى، ثمّ أنشأوا حالات خاصّة بهم. وهذا لا يهتمّ به الدويهي، لأنّه يؤمن بحرّية الرأي والتفكير والاختيار. وبقينا نحن الملتزمين بفكرة، والمخلصين لأديب مختلف، فحضورنا في أفكاره ليس عابراً، بل نحن نعبر معه إلى آفاق جديدة، وإلى رؤية أدبيّة لا تقوم على التقليد والتكرار المملّ، والنوع الواحد. وهو يحترم مَن يكتبون نوعاً واحداً، وفي الوقت نفسه لا يجد عيباً في أن يطوّر الأديب نفسه، ويطرق أبواباً أخرى، ويغيّر ثيابه بحسب الفصول والشهور.

وإنّني أكتب نوعاً واحداً، هو النصّ الشعريّ العامّيّ، ومثله الفصيح، إلى جانب النقد الأدبيّ أحياناً، تحت أنظار الأستاذ الدقيق والمعياريّ… والدويهي يمدّ لي يد المساعدة، ويقدّم لي النصح، ويلفتني إلى الصور والتراكيب والرموز التي ترفع النصّ إلى مستوى مرموق… وبكلّ صدق وشفافيّة أعترف بأنّ “أفكار اغترابيّة” هو الذي قدّم إليّ مفتاح الدخول إلى عالم الأدب، ولولاه لما كنت أقدمت على أيّ خطوة مهمّة في هذا المجال. فقد أشركني الدويهي في مهرجاناته الكبرى، في سيدني وملبورن، وكان وقوفي على المسرح في احتفاليّات الدويهي، كمقدّمة ومشاركة في الإلقاء من نصوصي ونصوصه أيضاً… وأسمّيها مهرجانات لأنّها مختلفة عن الأمسيات الأدبيّة التي تقام عادة، من حيث التنظيم والترتيب، والحضور الكثيف، والفعاليّات الأدبيّة والفنّيّة… والأهمّ أنّ الدويهي يقدّم كلّ سنة مجموعة كبيرة من كتبه هدايا مجّانيّة إلى الحاضرين.

وليس غريباً أن يحدث هذا التطوّر في حركة الأدب المهجريّ في أستراليا، نهضة عالية الهمّة. وفي اعتقادي أنّ الجميل مشروع عمل متواصل، لا دعائيّ، ولا ادّعائيّ، كما هو يعترف بأعمال الآخرين، بشرط أن تكون أعمالاً جليلة، تليق بالمؤسسات، بل تليق بمن يقودون المدارس والمنتديات والمذاهب الأدبيّة.

من خلال معرفتي بالأديب الدويهي ومشروعه المضيء، لاحظت أنّه يرفض المساواة في الإبداع، من أجل تأسيس حالة أدبيّة مغايرة لما هو مألوف، فعلى الرغم من أنّ الدويهي مفكّر إنسانيّ، يؤمن بالقيَم النبيلة، والمساواة من بينها، فهو يعتبر أنّها أساءت إلى الحركة الأدبيّة، وأحبطتها… وقد أثبتت أعمال الدويهي المختلفة الأنواع نثراً وشعراً وفكراً وتأريخاً وباللغتين… واقعاً جديداً، وفتحت العيون في أصقاع الأرض على أدب جديّ وفاعل، ينطلق هذه المرّة من القارّة الاستراليّة، يطبعه التنوّع الفريد، وهو غير مسبوق في أيّ حالة أدبيّة مشابهة. من هنا أهمّيّة المشروع، وخصوصيّته… وببساطة هو بذرة قد تنتج أو لا تنتج، ولكنّه قدوة يمكن الاهتداء بها، في كلّ الأقطار، إلى واقع أدبيّ وثقافيّ رائد. كما هو دعوة إلى الأدباء في جميع الأمكنة لكي يخرجوا من النمطيّة إلى عالم أوسع، فليس من أحد عاجزاً عن التعلّم وتطوير نفسه. وإذا كان هناك من يقولون: إنّ الأدب من نوع واحد يعيش، فالدويهي يقول إنّ الأنواع المتعدّدة تعيش أيضاً، وتترافق، وتضيء أكثر…

وكانت رحلتي بين “أفكار اغترابية” و”بستان الإبداع” الصفحة الإبداعية التي أنشأتها في عام 2020 – وهما حال واحدة- رحلة غنية وخصبة، فقد انتقلت من إعلامية إلى أديبة، وتوّجت رحلتي في الإعلام بين لبنان وأستراليا بنقلة نوعية، غيّرت حياتي، وجعلتني أنظر إلى نفسي في مرآة الأدب بجدّيّة واهتمام. ولست وحدي ممن استفاد من مدرسة الدويهي، بل جامعته السامية، فهناك العديد من المبدعين الذين نشروا أعمالهم من خلال مشروعه، فسهر عليهم، وساعدهم، وقدم لهم ساعات وساعات من العمل التطوعي، فقط من أجل الحضارة والإنسانية.

وأعمال الدويهي مشرقة كالشمس، وقد بلغ ما كتب عنه منذ عام 2014 أكثر من 17 كتاباً. وأخذ على عاتقه طباعة كل كتاب ينشر عن أفكار اغترابية، وما أظهره من إبداعات، على نفقته الخاصة، وهذا دليل على أنّه لا يأبه بالمال، بل يهتم بالإبداع، ويعطي أولويّة مطلقة لأدب اغترابي من أستراليا إلى العالم، ونحن معه…

ومن جهتي، فإنني أعتز بأنني نشرت في  أفكار اغترابية، وتحت مجهر الدويهي، مجموعة كتب: “كلمات من أعماق الحب”، “عيناك مرفأ لحنيني”، “نغمات على قيثارة الحنين”، “بدموع الورده كتبتلّك: وهيك بحبّك”، “وقائع الجلسة الحوارية حول كتابي كلمات من أعماق الحبّ”، “جميل الدويهي عبقري لبق عميد أدب المهجر”، “هذا الأديب من بلادي… كتبتُ عن جميل الدويهي”، “حروف لا تموت – كتبوا عن سيدة الحنين كلود ناصيف حرب”، وفي الجعبة أيضاً “قمر البحيره سهران ناطر مواعيدي”… وقد منحنى العبقري اللبق لقب “سيدة الحنين” وحصلت على النسخة الأولى من جائزته الإبداعية، وهما أيقونتان أعتز بهما ما حييت، كما لقّبتُه بالعبقريّ اللبق، وعميد أدب المهاجر، لأنّه يستحقّ فعلاً كلّ تقدير وتكريم.

***

*غداً 17-1-2022 ورقة الناقد ابراهيم مشارة – الجزائر

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *