سعادة في المسألة الفلسطينية

Views: 708

 

محمود شريح

 

في مؤلّفه الفذّ تبلّغوا وبلّغوا الصادر في الأول من تمّوز 1955 عن دار الجيل الجديد في بيروت يرى سعيد تقي الدين أن الحركة الثقافية في الحزب القومي تكمن قوّتها في أنّ دستورها وأقوال زعيمها هي المرجع الذي يضبط ويحفز، أي ما ينطبق تماماً على موقف سعادة وحتى الساعة من المسألة الفلسطينية. كان سعادة في العشرين من عمره في العام 1924 يحرّر صحيفة والده المجلّة في سان باولو حين ألمح إلى الخطر الناجم عن تحالف وعد بلفور مع اتّفاقية سايكس – بيكو في رأب صدع وحدة بلاد الشام. بعد ثلاثة وعشرين عاماً شكّل خطاب الزعيم لدى وصوله من الأرجنتين عبر القاهرة يوم الثاني من آذار 1947 منعطفاً تاريخياً في حياة الحزب القومي إذ أعلن فيه من على شرفة نعمة تابت في الغبيري، ولأول مرة أن العراق ما بين النهرين جزء من الأمّة السورية وأنه يُكوّن إلى جانب لبنان والشام والأردن وفلسطين جزءاً من الوطن السوري، وأكّد على مركزية القضية الفلسطينية والصفة القومية للصراع ضدّ الاستعمار الصهيوني، وأضاف:

إن إنقاذ فلسطين هو أمر لبناني في الصميم، كما هو أمر شامي في الصميم، كما هو أمر فلسطيني في الصميم. إن الخطر اليهودي على فلسطين هو خطرٌ على سورية كلها، هو خطر على جميع هذه الكيانات.

إذ اعتبر سعادة على الدوام أن الصراع مع الدولة العبرية حضاري، فإمّا بقاء وإمّا فناء.

فكرة القومية التي بشّر بها نهضويو جبل لبنان مع البستاني واليازجي والشدياق والتي نضجت في بلاد الشام عقب الحرب الأولى مع الريحاني وجبران تأصّلت مع سعادة بوجه سوري ملمحه الجغرافي الهلال الخصيب وغايته خطّة علمانية ردّاً مباشراً على تجزئة سايكس – بيكو وإجحاف وعد بلفور وتفاهة العنعنات الطائفية المحليّة.

أدرجَ سعادة النزعات الموروثة من إقليمية وطائفية وعصبية قبلية تحت خانة النزعات السياسية الخصوصية الاعتباطية، فرأى أنها مع “الحزبيات الدينية والعشائرية” أدّت إلى “كارثة فلسطين”، كما حدّد ذلك بوضوح في خطابه المُعنْون: “في صدد قرار تقسيم فلسطين” الذي ألقاه في الأول من كانون الأول 1947 وورد في كتابه الزعيم في مراحل المسألة الفلسطينية، هدية منفذيّة بيروت العامة في الحزب القومي الاجتماعي بمناسبة عيد مولد الزعيم، الصادر في أول آذار 1949، تقديم لبيب زويا، وكيل عميد الإذاعة.

مع اقتراب شبح تقسيم فلسطين أنشأ سعادة “مفوضيّة الجنوب” للإشراف على الوضع السياسي هناك وعيّن يوسف صايغ مفوّضاً عامّاً، وكميل جدع ناموساً له، فيما كثّف سعادة نفسه الاتصال شخصياً بمنفّذ عكّا محمد جميل يونس، منفّذ جزّين بعد سقوط فلسطين، وكان سعادة يتلقّى تقارير مفصّلة عن الأوضاع في فلسطين من يوسف صايغ وهشام شرابي ويوسف سلامة، ويجتمع إلى حزبيين كانوا يفدون إليه من منطقة الجليل، وخاصة من قرية ترشيحا؛ وإثر سقوط فلسطين انتدب سعادة منفذّيه لزيارة مواقع اللاجئين في بعلبك وشحيم وبرج البراجنة، فيما كان الحزب يوسّع قاعدة نفوذه في بيروت والجبل ودمشق وحمص وحماه وحلب واللاذقية وطرطوس وصافيتا والسلميّة والكفرون.

مع وقوع كارثة فلسطين أعلن سعادة أن الحزب يدرّب أعضاءه تدريباً عسكرياً لمواجهة إسرائيل والأنظمة التي “خلقت إسرائيل” كما أعلن في خطابه في جزّين في 15 تشرين الثاني 1948، ومنذ مطلع 1949 كان يشرف بنفسه على مناورات تدريب على القتال تقوم بها فرق قومية اجتماعية في منطقة الرملة البيضا في رأس بيروت، بعد تيقّنه أن الدولة السورية القومية الاجتماعية هي التي ستحرّر فلسطين وليس الحكومات “القَزِمة” غير الجديرة “بالاضطلاع بمسؤولية تقرير المصير القومي”، حسبما أعلن الزعيم في الخطاب نفسه في جزّين.

ولعلّ ما حبّره الزعيم في رسالته إلى الأمة السورية بتاريخ 2 تشرين الثاني 1947 في ذكرى وعد بلفور خير ما أُنهي به كلمتي هنا برهان ساطع على استشرافية رؤيته وديناميّة عبارته، إذ قال:

وباكر جداً رأيت عقم السياسة والأساليب الوطنية المتبعة في فلسطين ورأيت أن جعل مسألة مستقلة ومنفصلة عن مجموعة المسائل التي تواجه الأمة السورية كلها والتي يجب أن يعود البتّ فيها للأمة هو أمر باطل، وأشدّ بطلاً منه إخراج المسألة الفلسطينية من نطاق قضايا الأُمة السورية وحدها وجعلها من حقّ دول العالم العربي جميعها. فعملتُ جهدي لإصلاح الحال ولإيجاد الأساس الصحيح لقضية فلسطين ولجميع قضايا الأُمّة السورية.

***

* ألقيت في الندوة التي نظمتها دائرة الجنوب في عمدة الإعلام بالتّعاون مع منفّذيّة المتن الأعلى في الحزب السّوري القومي الاجتماعي بعنوان “سعاده في مراحل المسألة الفلسطينيّة” في قاعة آل الرشيد في العباديّة.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *