سيرة انطون سعاده في ثلاثة مجلّدات 

Views: 401

 

محمود شريح

الدكتور سليم مجاعص، الصديق في أميركية بيروت منذ نيّف ونصف قرن، والرفيق في الحزب السوري القومي الاجتماعي منذ وعينا على هذه الدنيا، الهانئ في عيادته في بوسطن، فهو أكمل دراسة الطب وأنا عنها عزفت، فانتقلت إلى الفلسفة، وبقينا رافعين راية أنطون سعادة، مشرّع دستور الحزب القومي وواضع مبادئه، يصدر سيرة هذا المفكّر النهضوي الداعي إلى وحدة بلاد الشام في ثلاثة مجلّدات عن دار #كتب للنشر وتحتلّ ما مجموعه 1030 صفحة من القطع الكبير سيرة سعادة مع صُوَر ووثائق ما يشكّل سِفراً جامعاً مانعاً لحياة الزعيم منذ مولده في الشوير (1904) حتى شهادته في بيروت (1949).

في الجزء الأول: أنطون سعادة: سنوات الشباب يتناول د. مجاعص سيرة سعادة منذ ولادته وحتى هجرته إلى البرازيل. في الجزء الثاني يتناول الباحث سنوات التأسيس والريادة، فيما يخصّ الجزء الثالث بسنوات سعادة في الاغتراب القسري.

 يفلح د. مجاعص في رسم صورة سعادة التاريخية فيرى أنه المفكّر الأكثر حداثة والمفكّر السياسي الأكثر تطلّعاً إلى المستقبل في الشرق الأدنى في القرن العشرين. ويسجّل تفاصيل حياته الحافلة بالأحداث، إذ تجلّت قدرته في ميادين واسعة من الحياة القومية، فتطرّق إلى قضايا الإصلاح الاجتماعي وإعادة البناء السياسي والإبتكار الأدبي والتحليل التاريخي والخطاب الفلسفي، فيما بقي هاجسه الأوحد إرساء الحداثة.

وحين عادَ سعادة من مهجره الأول إلى الوطن وأقام في ربوعه بين 1930 و1938 أحدث تحوّلاً جذرياً في حياة أُمّته، حاملاً في قلبه عزيمة ثابتة ووفاء لا حدود له لأبناء شعبه ومثاله الأعلى. في سجنه سطّر أثره نشوء الأمم (1938)، سِفراً مميّزاً ورائداً في تكوين الأمّة السورية عبر تتبّع مراحل انتقالها من البداءة إلى التشكّل الاجتماعي – الاقتصادي.

وحين عادَ سعادة إلى المهجر كان غرضه إيجاد فروع للحزب السوري القومي الاجتماعي في البرازيل والمكسيك، وحين انتقل إلى الأرجنتين ثابرَ من هناك على إعلان وتفصيل الفلسفة التي ينهض على مدماكها حزبه على أساس التأمّل المستمرّ في المعضلات الفكرية الكبرى، فمن منفاه بعث بكتابينْ تركَا أثرَهما العميق في البنية الفكرية في بلاد الشام: الإسلام في رسالتيه والصراع الفكري في الأدب السوري.

كان د. مجاعص أصدر هذه الأجزاء من سيرة الزعيم بالإنجليزية عام 2004 بمناسبة مرور مئة سنة على مولده، ثم إنه أعاد صياغتها بالعربية فأضاف إليها معلومات كثيرة وقفَ عليها إثر صدور كتابه بالإنجليزية.

في الجزء الأول هذا من حياة سعادة يوثّق د. مجاعص تاريخ الشوير مسقط الزعيم وجغرافيتها فيسهب في تحديد موقعها وحياة أهلها ونشأة الكنائس فيها ونموّها في مطلع القرن العشرين وازدهار مثقّفيها، من مثل أسد رستم ونجيب مشرق وجرجس همّام. ثم ينتقل المؤلّف إلى سرد تفاصيل أسرة سعادة وتمرّد والده خليل سعادة في الكليّة السوريّة الإنجيلية ثم إنشائه مجلة الطبيب وانتقاله إلى مصر وإصداره قاموس سعادة وأسرار الثورة الروسية. ويرصد نشأة أنطون سعادة ورحلته إلى العالم الجديد وتحريره المجلّة فنادى بالوحدة السورية ونبّه من الخطر الصهيوني.

في الجزء الثاني من سيرة سعادة يعرض د. مجاعص عودة سعادة إلى رحاب الوطن ثم انتقاله إلى دمشق وإسهامه في الصحافة هناك وعودته إلى بيروت أستاذاً في الأميركية وبدايته العمل السرّي وتأسيسه الحزب القومي وانعقاد الاجتماع المركزي الأول. إلى اعتقال سعادة من قبل الفرنسيين إثر انكشاف أمر حزبه وسجنه ومحاكمته وغرامه مع إدفيك جريديني وردّه على البطريرك الماروني وتوسّطه لإطلاق مي زيادة إلى الحرية ثم سفره إلى الأرجنتين مغتربه القسري إثر ملاحقة الفرنسيين له عبر فلسطين ثم قبرص فأوروبه، عام 1938.

د. سليم مجاعص

 

 الجزء الثالث من سيرة سعادة يتناول حياته في البرازيل وشرحه مبادىء الحزب السوري القومي الاجتماعي وتأسيسه صحيفة سورية الجديدة، ثم انتقاله إلى الأرجنتين وزواجه من جولييت المير، ومشاركتها في النشاط الحزبي وتأسيس عائلة وولادة صفية وأليسار، إلى أيامه الأخيرة في المنفى وعودته إلى بيروت في 2 آذار 1947، وإعادة نشاط الندوة الفكرية وولادة ابنته الثالثة راغدة.

 في مطلع 1947، وصل سعادة إلى سان باولو باسم أنطون خليل سعادة مجاعص وحصل من القنصلية اللبنانية هناك على جواز سفر يمكّنه العودة إلى الوطن كما أمّن تأشيرة دخول إلى مصر فاجتمع هناك إلى نعمة تابت وأسد الأشقر الوافديْن من بيروت لاستقباله فالعودة معه إلى بيروت فوصلوها في 2 آذار 1947 فخطابه المفصلي في اليوم نفسه من شرفة نعمة تابت في الغبيري إذ أعلن فيه ضمّ العراق إلى الهلال الخصيب وأنّ فلسطين في صميم الأمّة السورية.

إنّه أنطون سعادة القائل “إنّ الحياة وقفة عزّ فقط” وحين خاطب المغتربين أعلن أمامهم: “إن لم تكونوا أنتم أحراراً من أمّة حرّة، فحريّات الأمم عار عليكم”، فوقف حراً وبعزّ حتى الرمق الأخير ساعةَ إعدامه فجر 8 تموز 1949، فكانت نهاية الفكر العلماني في المشرق العربي متزامنة مع سقوط فلسطين فدخلت المنطقة في مرجل العنعنات المذهبية والحزازات الطائفية والعصبيات القبلية.

في سرد تفاصيل حياة سعادة في المنفى اعتمد د. مجاعص على قرائن ثابتة كالرسائل التي كتبها الزعيم ومذكّرات زوجته جولييت المير وصفحات من الجريدتيْن اللتيْن أسّسهما واهتم برعايتهما: سورية الجديدة والزوبعة، إضافة إلى السجّلات الدبلوماسية لكلّ من فرنسا والولايات المتحدة.

لعلّ مؤلّف د. سليم مجاعص في أجزائه الثلاثة عن حياة أنطون سعادة القول الفصل في وضع مؤسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي في إطاره الحضاري وسرده تنامي فكره السياسي، مُرفقاً بصوَر عنه وعن عائلته ووثائق شخصية وحكومية، إضافة إلى مراجع وفهارس ما يحيل مؤلّف د. مجاعص عن سعادة إلى مرتبة سفر جامع مانع

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *