الأمين الخائن *

Views: 624

 

 

سلمان زين الدين

 

 

إلى أمين الباشا

 

 

   تَرقُصُ الرّيشةُ،

واللَّونُ يُغنّي،

ويُصيبُ الحَرْفَ مسٌّ من جنونْ

كُلَّما خانَ “أمينٌ” لوحةً

بَعْدَ غرامٍ

كانَ قدْ أشعلَهُ حبٌّ هَتونْ،

وَدَعَتْهُ صفحةٌ عذراءُ

تَغْوى كَعَروسٍ

لِيَفُضَّ الخَتْمَ عنْ كَنْزِ الفُتونْ.

   * * *

  منْ زمانٍ،

يَمتطي هذا “الأمينُ” الرّيحَ،

لا يَرْسو على برٍّ،

وتُغريهِ الخِيانةْ،

فإذا ما صفحةٌ بيضاءُ أَغْوَتْهُ،

تَراهُ ينتضي ريشتَهُ،

يُوري بها زَنْدَ الجَمالِ

المُخْتَفي خلفَ بياضٍ أَبْكَمٍ،

حتّى إذا ما أيقظَ الأنهارَ

والأطيارَ والأزهارَ

من غَفْوتِها،

أَدّى الأَمانةْ.

ثمّ يَمْضي باحثًا

عن صفحةٍ أخرى سِواها،

ويَخونْ.

   * * *

  هو مذْ كانَ،

صَفِيُّ اللَّونِ،

يُبقيهِ على أسرارِهِ

الكُبْرى أمينًا،

فَيَكونْ.

وَرَئيُّ الفنِّ

يُوصيهِ بأنْ يبَقى:

جديدًا مثلَ نهرٍ،

وخفيفًا مثلَ ظلٍّ،

وطليقًا مثلَ نسرٍ،

فَيَخونْ.

  * * *

  لِأَمينٍ ريشةٌ في الرَّسْمِ

لم تُؤتَ سِواهُ

يَمتطيها كُلّما راودَهُ الشَّيْطانُ

عن ألوانِهِ،

يَمْضي بِها شَطْرَ

 الفَراديسِ العذارى،

فإذا ما رَجَّعَ اللَّوْنُ

صَدى دَهْشَتِهِ مِمّا رَأى،

قلْ: رَجَّعَ الكونُ صداهُ.

   * * *

   لِأَمينٍ ريشةٌ أغرَتْهُ بالتَّحْليقِ

من قبلِ أَوانِهْ،

فَمَضى شَطْرَ السَّماواتِ العُلى،

يُغْري بِها لوحاتِهِ،

حتّى إذا ما أسلسَتْ قَيْدًا لهُ،

راحَتْ تَجوبُ الأرضَ

في شَرْقٍ وَغَرْبٍ،

فَإِذا العالَمُ  رَهْنٌ لِجَناحَيْهِ،

وَطَوْعٌ لِبَنانِهْ.

   * * *

 وأمينٌ شاعرُ اللَّونِ

الَّذي سارَتْ بِهِ الرُّكْبانُ

في شتّى العواصمْ،

وَأَصاخَتْ سَمْعَها كلُّ العيونِ

 المنطوي في لُجِّها

عِشْقُ الجَمالْ،

وَاشْرَأبَّتْ نَحْوَهُ الأَعْناقُ

تُغْويها غَنِيّاتُ المواسِمْ،

وَشَهِيّاتُ الغِلالْ.

   * * *

  وأمينٌ طبَّقَتْ ريشتُهُ الآفاقَ،

وَاعْتادَ الأَعالي مِثْلَ نَسْرٍ

ضاقَ ذَرْعًا بالتِّلالِ الشُّمِّ،

فَارْتادَ المُحالْ.

سوفَ يَبْقى في دَياجيرِ اللَّيالي

نَجْمَةَ الفنِّ

 الَّتي تُومي إلى مَهْدِ الجَمالْ.

***

 

* إلى الفنان أمين الباشا في الذكرى الثالثة لرحيله.                        

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *