“قهوة القزاز” لأسمى بحصلي قمبرجي عن تاريخ بيروت وتحوّلات الحياة

Views: 334

سليمان بختي

تكتب القاصة أسمى بحصلي قمبرجي في كتابها “قهوة القزاز” الصادر بالإنكليزية عن (برايت سكاي برس) في 168 صفحة، القصة من زاوية الذكريات المتصلة بالحاضر أو بالعبرة أو باستحضار قطعة من الحياة ومحاكاتها أو روايتها. وعلى غرار ما كتب غارسيا ماركيز في “حياة نعيشها لنرويها”.

هذه القصص التي تنبض في العصب والنبض والموقف لا تحاول أن تمر على الرسوم أو الآثار بل لتعيد تفعيل الحوار مع الذات والآخر.

حكايات تسبكها أسمى وتكتبها تحت إملاء الذاكرة وترويها بصدق من ذاكرة قريبة أو بعيدة. وأحيانا تعيد صياغة الأحداث تحت ضوء وعي الكاتب ومراميه.

ويكاد يسأل المرء تفسه بعد الانتهاء من قراءة الكتاب: هل  الذكريات هنا مرايا متعاكسة أم حوار غني يعيد ترتيب الوقائع أم مونولوغ داخلي يحاول المرء تظهيره بالكلمات أو بالنهضة أو بالعمل الفني نفسه.

هنا القصة تأتي كمصدر آخر لتاريخ الحياة في لبنان بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية وصولا إلى الانتداب وبدايات الاستقلال. كيف تمتزج الحياة الخاصة، حياة العائلة بالتاريخ العام للبلاد وفي نسيج واحد تميز في المصير والتحولات.

تستطيع أسمى بحصلي قمبرجي أن تكتب سيرة التجربة الشخصية المتداخلة بالعائلة وظروفها وغاية الحب والتضحية والولاء. وكذلك تقوى على تحديد سبل التغيير في قوى السلطة وما حملت هذه التغيرات إلى بنية العلاقات في بيروت القرن العشرين.

لكل إنسان قصته في الحياة مثل “قصة منير” 1948. اوقصة “ريما” ولكن هل هناك من يقدر أن يروي قصة الآخرين كما رويت لنا او كما رأيناها.

كيف تنقلب الأدوار في قصة “الفيلا” مثلا بين صاحب الفيلا والناطور ومن هو المالك الفعلي للفيلا؟ أهو الذي بناها ليحقق حلما راوده. أم هي التي سكنها لأكثر من 15  سنة في زمن الحرب؟ وكيف تصبح الذكريات حاضرة لتبرر الأحداث؟ أو من يحدد القرب أو البعد من الهدف أعني هدف الحياة؟ناطور الفيلا يسكنها  وأولاده وأحفاده ردحا في زمن كان فيه لبنان مقلوبا رأسا على عقب. وكيف يستعيد أصحاب الحق بيتهم بصعوبة مع التسليم بأنهم فقدوا كل محتويات الفيلا وفقدوا صورتهم فيه والأشجار التي زرعوها فيها.

ولكن رغم ذلك، ورغم الواقع والحرب يبرز السؤال من يملك مكانه في المكان صاحب الحق والحلم أم صاحب الذكريات. كم يبدو قاسيا ما قالته هدى ابنة الناطور في زيارة لأصحاب الفيلا :” هذا كان بيتنا وكنت أعيش هنا”. أو حين يمر “مهدي” في القصة بغموض الطيف العابر الساحر.

لعل قوة القصص التي تكتبها أسمى بحصلي قمبرجي تكمن في ذلك التواصل الخفي بين الظاهر واللامرئي. بين الصورة والرمز. وكما في قصة الانتقام حيث العمق يلتقي مع التصعيد الدرامي. وحيث صراع الحب لا يتوقف. صراع بين ادوات الحب نفسها الشوق والحنين والتمنع والخيانة. هنا تصطرع كل معاني الحب في هذه القصة التي أبطالها عصفور وعصفورة من البداية الى النهاية. وكل ذلك تكتبه قمبرجي في أسلوب متدفق ويتكامل مع المعنى بسهولة ويسر ومتسقا مع الرؤيا ويحمل جاذبيته من بساطته ووضوح الرؤيا. كأن الكلمة عندها حارة ولا تأتي من القاموس بل من التجربة والشغف.

والضوء يتسلل خفيا في القصة والشخصية تتحرك في ذاكرة وبنية وبيئة ونمط وعلاقات. وحتى حينما تروي ريما قصتها او منير قصته فكأن القناع وراء المعنى.

 “قهوة القزاز” هي قصص تشهد لنقد الواقع عبر الذاكرة وعبر التغيير الذي تشهده الحياة أكان في السلطة أم في العلاقات والكاتبة تصعد من بئر الذاكرة لتنتصر بالكتابة على الخيبة أو تشهد على الخطأ الذي حفره الزمن في جبين الأيام.

كتاب هو شهادة على قساوة التحولات وعلى قساوة الأمل الذي يبرر الحياة ويبرر الذاكرة ويبرر الحلم.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *