لِنَنهَض بِلُغتنا

Views: 362

د. رياض زكي قاسم*

“إنّ تمكين اللّغة العربيّة، والعمل على مواكبتها لمستجدّات العصر الرقميّ، وإنقاذها من محاولات طيّها، تُصبح ضرورة حتميّة، لا للحفاظ على لسان الأمّة وثقافتها فحسب، بل لحماية أمنها القوميّ كذلك” [صاحب السموّ الملكيّ الأمير خالد الفيصل].

“لِنَنهَض بِلغتنا” مشروع يرتكز على دراسةٍ ميدانيّة وبحوثٍ مُعمَّقة. وقد ضمَّها كتابٌ صَدَرَ عن “مؤسّسة الفكر العربيّ” في طبعته الأولى عام 1433 – 1434ه – 2012 م.

أمّا الدراسةُ الميدانيّة فقوامها تسعة استطلاعاتٍ للرأي، اشتملت في مُجملها على 265 سؤالاً، تمّ تنفيذها في إحدى عشرة دولة عربيّة (السعوديّة، فلسطين، الأردن، المغرب، لبنان، موريتانيا، مصر، قطر، اليمن، تونس، سورية).

وأمّا موضوعات الدراسة الميدانيّة، في الدول المُشار إليها، فقد تَضَمَّنت تسعةَ مَحاورٍ، هي: الشباب، المُبدعون، الطلّاب الجامعيّون، أساتذة اللّغة العربيّة في المرحلة الجامعيّة، طلّاب التعليم ما قبل الجامعيّ، معلّمو اللّغة العربيّة في التعليم ما قبل الجامعي، الإعلاميّون، أعضاء المَجامِع اللّغويّة والباحثون، عموم المُواطنين.

وقد بَلغت القضايا التي تضمّنت قراءةَ ودراسةَ حاضرِ اللّغة العربيّة، واستشرافَ مُستقبلها خمسَ عشرةَ قضيّة، هي: اللّغة العربيّة وإشكاليّة الهويّة، اللّغة والشباب، ازدواجيّة الفصحى والعاميّة، الثنائيّة اللّغويّة، اللّغة والإعلام، اللّغة العربيّة وضرورة التخطيط اللّغويّ، دَور المنظومة القانونيّة في حماية اللّغة العربيّة، المُستقبل الرقميّ للّغة العربيّة، اللّغة العربيّة ومَناهِج التعليم ما قبل الجامعي، الكفايات اللّغويّة لدى الطالِب، اللّغة العربيّة ومَناهِج التعليم العالي، اللّغة العربيّة والمُصطلح، اللّغة وإبداع النصّ المكتوب، اللّغة والإبداع السينمائيّ والمسرحيّ، الواقع اللّغويّ في الحياة اليوميّة.

وتجدر الإشارة – هنا – إلى التعاوُن المُجدي مع رؤساء المَجامِع اللّغويّة العربيّة، ومع خُبراء لغة الضّادّ، على امتداد الوطن العربيّ، من خلال قيامهم بوضْعِ رؤية مُستقبليّة، تتضمَّن مجموعةً من المُقترحات والإصلاحات للنهوض بالعربيّة، في ضوء ما أَظهرته الدراسة الميدانيّة من نتائج ومؤشّرات.

أوّلاً: في أبعاد الثقافة اللّغويّة

ما قدّمته نتائج الاستطلاع يمثّلَ مؤشّراتٍ، تمَّ توظيفُها في بحوثٍ تَتَحرّى واقع العربيّة، وتَرصد المَواقف منها، في نقدٍ يَعتمد التحليل الموضوعيّ، ويَخلص إلى نتائج ورؤى، تَزعم بشيء من اليقين، أنّ القضيّةَ اللّغويّة لا بدّ أن تكون واضحةً في الوعي العامّ: في السياسة والاقتصاد والمَعرفة، وهو أمرٌ ذو أهميّة بالِغة في “تكوين الثقافة اللّغويّة”، أو، لِنَقُل: “المَواقف المُجتمعيّة من اللّغة الوطنيّة”.

1- أمّا “في السياسة”، فاللّغة مُلازِمة، بل هي قائمة في جَوهر التصوّر السياسيّ. بقولٍ آخر: اللّغة هي العُنصر المُحايث بالفعل، أو بالقوّة (لننْهض بلغتنا: ص173).

غير أنّ المَنْسيَّ في هذه القضيّة، أو المغفولَ عنه، هو أنّ السياسة مُلازِمة للّغة، بمعنى أنّ الوجودَ اللغويّ، ببقائه واندثاره، مرهونٌ بالفعل السياسيّ، إدارةً، وقراراً، وإنجازاً (ص172 – 174).

2-وأمّا “في الاقتصاد” فهناك سؤالٌ مَشوبٌ بالقلق: إلى أيِّ مستوىً بلغت العربيّة من “لغة العِلم والتقانة”؟ وأصدق مثال على ذلك، غياب التعريب في الطبّ والعلوم والرياضيّات، في التعليم الجامعيّ، ما يعني أنّ البحث العلميّ يُفضي إلى عدم الاستفادة من توطين المَعرفة باللّغة العربيّة. ويمثّل هذا أيضاً، خسارةً للمُواطِن العربيّ، علاوة على ما ينتج من ذلك – لو تحقّق حضورُه – من فُرص الاقتصاد والعمل والإبداع.

3- وأمّا “في المَعرِفة”، فإنّ مجالاتها، وتحديداً المرجعيّات التي يحتكمُ إليها التنظير، ويصدر عنها التطبيقُ، فبقدر ما يبقى هذا الثنائي بلا وَصْلٍ، وبلا تجسير، فإنّ العربيّة لن تهتدي إلى وضع “ميثاقٍ معرفيّ” (ص171).

وبالتالي، فإنّ مشروع النهوض اللّغويّ أَخَذَ على عاتِقِه مسؤوليّةَ مُعالَجةِ هذا الانفصام بين حضور الوعي العامّ في مثلّث السياسة والاقتصاد والمَعرفة، وغياب الوعي الخاصّ بالمسألة اللّغويّة.

ثانياً: في تحليل واقع اللّغة العربيّة

1-“لننهض بلغتنا” في جانبٍ رئيسيٍّ منه يُعْنى بتحليل الواقع اللّغويّ للعربيّة، ما جَعَلَ هذه الإشكاليّةَ تَظهر في كثيرٍ من البحوث، نظراً إلى تشابُك هذا الواقع بوظائف عدّة داخل المُجتمع، لذلك، فإنّ أيّ تفكير في النهوض اللّغويّ، يتطلَّب وجودَ تخطيطٍ لغويّ شامِل، تقوم به المؤسّساتُ الرسميّة، عندما تتصدّى لرسْمِ السياسات اللّغويّة. لكنّ ذلك – إنْ تمَّ نظريّاً – سيَصطدِم بمعوّقاتٍ تنفيذيّة عدّة، أبرزها المَوقف الاجتماعيّ، والسياسيّ، والثقافيّ، من حضور العربيّة في المُجتمع، فهي (العربيّة) بقدر ما تكون غائبة يكون التخطيط مُتعثّراً، غير فاعل. لذا، فإنَّ البدء بتهْيِئَةِ المَكانة للّغة العربيّة في مُجتمعها يسبق أيّ تخطيط.

2- ثمّ إنّ هذا الشرط المُسبَق – عَنيتُ تمكين العربيّة في مُجتمعها – يَتلازم مع صناعةِ سياسةٍ لغويّة تتبنّى اللّغة العربيّة، باعتبارها لغة الحياة في البلدان العربيّة، في التعليم، والبحث العِلميّ، ومجالات العمل العاديّة منها والتخصُّصيّة، في القطاعَين العامّ والخاصّ. وبالتالي، لا بدّ لهذه السياسة اللّغويّة المُبتغاة من مرجعيّاتٍ ثلاث رئيسيّة:

(1) القرار السياسيّ القاضي بجعْلِ العربيّة لغةً رسميّة في التعليم، ومجالات الحياة، (2) التشريع المُتمثّل بالقوانين والأنظمة التي تسنّها المَجالِس التشريعيّة في الدولة، وما يتبع ذلك من لوائح تفسيريّة، وقرارات، وتعليمات تصدر من مؤسّسات الدولة وإداراتها، (3) قَرنُ ذلك كلّه بالتطبيق من خلال هَيْئةٍ عليا، في كلّ دولة عربيّة، تكون مَرجعاً لتنفيذ السياسة اللّغويّة، ويكون ذلك ضمن استراتيجيّات، وتنسيقٍ مُحكَم (ص182).

ثالثاً: الواقع القَلِقُ، في الكفايات المَعرفيّة واللّغويّة

1- لقِيت أعراضُ اللّغة في المُجتمعات العربيّة، وما رُصِد، أيضاً، من علاماتٍ قلِقة في الكفايات المَعرفيّة، وبخاصّة في مَراحِل التعليم، كافّةً، اهتماماً عالياً في “المشروع النهضويّ”. وقد أُشير إلى ما يُمكن تسميته النَّيْل من الثقافة العربيّة، بدءاً بالعامل اللّغويّ، بدعوى أنّ العربيّة لغةٌ مُفارِقة للواقع اليوميّ المَعيش، وإرادة بثّ الوهْم بأنّ لغةَ الواقع (العاميّات) هي التي يجب أن تُصبح اللّغة الرسميّة.

ويُقرَن، ما سبق ذكره، بالتشكيك في جاهزيّة العربيّة لتعليم العلوم والتقانة. ويتأسَّس حُكمُ عدم الجاهزيّة على عوامل مُتعدّدة، منها: (أ) ضعف كميّة مُفردات مَعاجمها المُتخصّصة (أو مُصطلحات) ونوعيّتها الضعيفة، و (ب) عدم توفُّر المؤلّفات والمجلّات المَرجعيّة الكفيلة بأن تُمثِّل مَراجِع باللّغة العربيّة، يتداولها الجامعيّون بينهم في المستوى المطلوب، و (ت) عدم توفُّر المُدرّسين المُؤهَّلين للتدريس بهذه اللّغة، و (ث) كون تجارب التعريب أَدّت إلى انخفاض مستوى الطلّاب، وضمور مَعارفهم وقُدراتهم التواصليّة.

أمّا القلقُ من نتائج الكفايات فبدا شبه كامل، من حيث الكفاية العامّة، أو تلك التي تشترك فيها حقولُ المَعرفة كافّة، ومن حيث الكفاية الخاصّة باللّغة العربيّة: قراءةً، وكتابةً، وتعبيراً، ونقداً، وتذوّقاً أدبيّاً (ص216، 220).

2- نتائج استطلاع الرأي: الواقع القلق في التعليم

سجّل استطلاعُ رأي الأكاديميّين والمَجمعيّين تجاه نِظام تعليم اللّغة العربيّة ثلاث ظواهر سلبيّة: 60% منهم رأوا ذلك في عدم ربْط سياسة تعليم اللّغة العربيّة وآدابها بسياسات باقي موادّ التعليم، ورأى 74,3% منهم أنّ ذلك بسبب ضعف مستوى مُعظم مُعلّمي اللّغة العربيّة وآدابها، ورأى 70% أنّ الظاهرة السلبيّة تتمثّل في غلبة اهتمام المُتعلّمين باللّغة الأجنبيّة على حساب اللّغة العربيّة، في حين رأى 55,7% أنّ الظاهرة السلبيّة تتمثّل في غياب التجديد المُستمرّ لبَرامج اللّغة العربيّة، بحيث تكون مُواكِبة لمُتطلّبات العصر، ورأى 63% منهم أنّ الظاهرة السلبيّة تتمثّل في عدم تحفيز المُتعلّمين وأُسرهم للاهتمام باللّغة العربيّة (ص35).

3 – وبَدت ظاهرةُ “الثنائيّة اللّغويّة” مُتجذِّرة في الواقع التعليميّ – التربويّ، من حيث تأثيرها في المَناهج التعليميّة، واعتمادها في لغة التدريس، ولاسيّما في المرحلة الجامعيّة، ثمّ سيادة اللّغة الأجنبيّة (ولاسيّما الإنكليزيّة) في تعليم موادّ العلوم والرياضيّات، ومَراجِع الاختصاص تحديداً.

ما سجّله الاستطلاع في هذا الشأن، في المرحلة الثانويّة، هو الآتي: رأى 18% أنّ العربيّة هي المُعتمَدة. ورأى 43,9% أنّ لغة الامتحان بالإنكليزيّة، مُقابل 33,5% بالفرنسيّة، و20% للعربيّة.

أمّا في المرحلة الجامعيّة فسجّلت العربيّة، كلغةٍ مُعتمَدة في تعليم العلوم والرياضيّات، ما نسبته 32,2% من المُستَجوبين (ص45).

4- أمّا القلق الآخر، فقد تمثّل بمسألة توطين العِلم والمَعرفة باللّغة العربيّة، فالمؤسّسات التي تُعنى بوظيفة هذا الأمر، البالغ الخطورة، والتي تَبذل جهداً يقوم على استراتيجيّةٍ وتخطيطٍ عِلميَّين، هي برأي 11,4%، قائمة، ولم يَرَ ذلك 31,4%. لكنّ نسبة بلغت 43% رأت علميّة ذلك في بعض المجالات، وسجّل الاحتياج إلى تعاونٍ مُشترك على صعيد الوطن العربيّ نسبة عالية جدّاً بلغت 84% (ص71).

وتقدير ذلك بما رآه الاستطلاع العامّ، يتمثّل بـ: 75,5% يعتقدون أنّ اللّغة العربيّة بحاجة إلى “حماية” حقيقيّة، على غرار ما يحدث لصَوْن اللّغة الفرنسيّة (عبر جهود بَرامِج الفرنكوفونيّة) (ص79).

وهناك قلق من واقع التواصُل بغَير العربيّة، فقد سجَّلت سيادةُ التواصل بالعاميّة بين المُتعلّمين ما نسبته 81،3% (ص41).

وفي السؤال عن أسباب ضُعف تداوُل العربيّة في بلدانِ مَن استُطلِع رأيهم، أَرجع 86،8% ذلك إلى استعمال اللّغة الأجنبيّة، كوسيلة للحصول على المَعرفة (ص48).

وفي السؤال عمّا إذا كانت هناك مُحاولاتٌ جادّة يقوم بها باحثون عرب إضافة إلى مؤسّسات رسميّة وأهليّة لتوطين العِلم والمَعرفة باللّغة العربيّة، وعمّا إذا كان العملُ بهذا المضمار يقوم على استراتيجيّةٍ وتخطيطٍ عِلميَّيْن، أَجاب 11,4% فقط ب (نعم) و31,4% ب (لا). ورأى 42,9% أنّ ذلك حاصل في بعض المجالات. ورأى 84,2% أنّ هذا الأمر يحتاج إلى جهدٍ وتعاونٍ مُشترَك على صعيد البلدان العربيّة (ص50).

وعمّا إذا كان بلدُ المُستطلَع رأيه يَشهد اهتماماً بإرساء تقاليد وطنيّة في التقدُّم المَعرفي باللّغة العربيّة، على صُعُدٍ مُختلفة، أَتت الأجوبةُ كالآتي: رأى 1،4% أنّ التقدُّمَ المَعرفيّ في بلده، باللّغة العربيّة، هو في مستوى جيّد جدّاً. ولم يرَ سوى 11،4% أنّه في مستوى جيّد، في حين رأى 38،6% أنّه في مستوى وسط، ورأى 30% أنّه في مستوى ضعيف (ص51).

رابعاً: إعادة التوازُن لمَصلحة اللّغة العربيّة: تمثّلات “لننهض بلغتنا” في مُقترحات الاستمارة

1- إزاء الواقع القلق، المُشار إليه سابقاً، اتَّجه الاهتمامُ في “المشروع النهضويّ” إلى ضرورة اعتماد مُواصفات المُنتَج التعليميّ، وتحديد هذا المُنتَج لكلّ مستوى من مستويات التعليم، على غرار ما اعتُمد في العديد من المَناهِج الأجنبيّة، ليكون مُتعلِّمُ العربيّة في مرحلة تَخَرُّجه قادراً على استيعاب مجالٍ أوسع من الموادّ اللّغويّة التي تتحدّث عن الواقع، مع استيعابٍ جزئيّ لنصوصٍ مَعرفيّة تُعالِج مَوضوعاتٍ افتراضيّة، والتعرُّف إلى جماليّاتِ التعبير وتذوّقها، وتحليل الصيَغ الصرفيّة، ومَعرفة علاقتها بالمعنى، وإرادة الربط بين النحو وعِلم الدلالة، وبيان الغرض من الجملة.

2- في نتائج استطلاع الرأي، في هذا الخصوص، أعاد 82% سبب اهتمامهم باللّغة، والرغبة في دراستها لغةً وأدباً وعلوماً بالعربيّة، إلى كونها لغة القرآن الكريم والتراث، وأعاد 83% سبب هذه الغَيرة، وهذا الاهتمام إلى كَونها اللّغة القوميّة، وأعاد 79% السبب في ذلك، كلّه، إلى اعتبارها لغةً وطنيّة (ص32).

3- وحَظِيَ الاتّجاهُ الدّاعي إلى استثمار المنظومة التعليميّة، والإعلاميّة، في إرساء مَعالِم الهويّة الوطنيّة لدى الناشئة، بمُوافَقة 73%، وحظيَ الترويجُ الهادف لهذا الموضوع، في وسائل الإعلام المرئيّ والمسموع، بما نسبته 72%، في حين رأى 67% أنّ الفائدة في ذلك تكون بالدعوة إلى تعديل المَناهج التعليميّة في المراحل كافّة. هذا، وسجّل 76% مَوقفهم الإيجابيّ تجاه العربيّة، باعتبارها المُفضّلة، بشكلٍ أساسيّ، في قراءة مَراجع الاختصاص العلميّة (ص32).

ولا بدّ من التأمُّل في النتيجة التي قدَّمت ما نسبته 67,8% يؤيّدون الاتّجاه الدّاعي إلى تعريب العلوم والرياضيّات، مُقابل 16,4% يرفضون ذلك (ص33).

4- وبشيءٍ من التفصيل الموجب، عُنِيَ “المشروع الاستشرافي” بتجديد التشريعات التي ترمي إلى حماية اللّغة العربيّة، على الأخصّ، في خمسة حقول هي: أ- الحقل الإداري، القاضي بوجوب استعمال العربيّة في المُعاملات الجارية، أمام الدوائر الرسميّة، ب- حقل الاستهلاك، حيث يقتضي مُخاطَبة المُستهلِك باللّغة العربيّة بصورة إلزاميّة، ت- حقل التعليم، حيث تُعطى اللّغة العربيّة النصيب الأكبر في تدريس الموادّ المطلوبة في مُختلف المَراحل، مع تشجيع اكتساب اللّغات الأجنبيّة التي تُعتبر قيمة مُضافَة في مجال المَعرفة، ث- حقل الإعلام، حيث من المؤاتي استعمال الفصحى في نشرات الأخبار والبَرامج الثقافيّة، ج- حقل المُعاملات القانونيّة ذاتها، حيث يُصار إلى وضْع صيغة عربيّة لكلّ العقود والاتّفاقات المعقودة بلغة أجنبيّة (ص197 – 198).

خامساً: رقْمَنة اللّغة العربيّة

1- نال موضوعُ المحتوى الرقميّ، والعمل على صياغة مُستقبل البيئة العربيّة الرقميّة، اهتماماً مميّزاً، وبَدت الخطوةُ الأولى علامةً حضاريّة تمثّلت بالقول: إنّ خارطة الطريق ستكون بحاجة إلى جهدٍ مؤسّساتيّ مُحكَم، يرتكز في أدائه على خططٍ قصيرة المدى، وأخرى طويلة الأمد لضمان نجاح عمليّة التطبيق، ثمّ إنّ المُعالَجة المطلوبة تتطلّب مُراجَعةً نقديّة لطبيعة الحضور العربيّ، وتحديد أهمّ الفجوات المُقيمة فيه (ص333).

ويتمثّل ما تفتقر إليه منظومة رقْمَنة اللّغة العربيّة، ومادّة المحتوى العربيّ في الرؤية العربيّة القريبة والبعيدة للتعامُل مع المَورد المعرفيّ والاقتصاديّ الجديد، وعدم وضوح طبيعة الآليّات المُناسبة للتعامل معه…، ما جعلَ المُبادرات التي تتبنّاها الدول العربيّة المُختلفة عبارة عن جُزرٍ مُنفصلة، لا تجمعها جسور التواصُل المُثمر (ص222).

2- ولتحديد تفاصيل خارطة الطريق، توجَّه الاهتمامُ إلى تقسيم المحتوى الرقميّ إلى ثلاثة قطاعات تشمل: المحتوى الرقميّ لكلّ من القطاع الحكوميّ، وآخر للّذي يُنتجه المُجتمع، وقطاع ثالث للتجارة والأعمال (ص225)، الذي يُعنى بتمكين اللّغة العربيّة، وترسيخ حضورها الفاعل في البيئة الرقميّة عبر: أ- اعتماد أداة حاسوبيّة لتوليد مُختلف أشكال التعبيرات اللّغويّة وتحليلها وفق مبادئ إعراب اللّغة العربيّة باستخدام ماكنةِ مُحَوْسَبةٍ تُمارِس عمليّة صياغة قواعد العربيّة لتوليد مُختلف التراكيب اللّغويّة التي تُتيحها اللّغة (ص226)، ومُمارَسة عمليّة التحليل الدلاليّ لمادّة صفحات الويب بسبب سيادة ظاهرة افتقار اللّغة العربيّة المطروحة على الإنترنت إلى عناصر البنى التحتيّة المطلوبة، الّتي تُعدّ مدخلاً جوهريّاً لدراسة المعنى اللّغويّ والتعامُل مع المادّة المعجميّة على مستوى المَفاهيم بدلاً من الألفاظ، وتحقيق نقلة نوعيّة حاسِمة لبلوغ عمق المعاني المُستوطِنة في الألفاظ، وسبر العلاقات المنطقيّة والسياقيّة التي تربط بين عناصرها المُختلفة (ص226)، ب- الاهتمام والتركيز على إتقان صناعة المَعاجم العربيّة المُحوسبة، التي تتجاوز مرحلة التعامُل مع قائمة المفردات ومعانيها، ابتغاءَ تجاوُز المُعالَجة التقليديّة باتّجاه توظيف ذخيرة النصوص المُحَوْسَبة، بحيث تتمّ عمليّة التقاط المعاني التي تكتسبها الألفاظ من حضورها داخل حدود النصّ بواسطة تقنيّات التنقيب المعلوماتيّ والسَّبر الدلاليّ (ص226).

أخيراً يستوجب القول إنّ اللّغة العربيّة إضافةً إلى كونها رموزاً، أو ألفاظاً، وأساليب تعبير، هي، في بُعدها الوجودي، منطق، وبناءٌ فكريّ، ما يدعو إلى اعتبارها مقوّماً أساسيّاً، وحيويّاً، في تكوين الوحدة الثقافيّة.

***

*باحث لغويّ- لبنان

*مؤسسة الفكر العربي-نشرة أفق

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *