أوروبا الحالمة… وأمن الطاقة
جبرايل مدوّر
كانت أوروبا تحضر ذاتها للانتقال الى عصر الطاقة المتجددة والمصادر النظيفة للطاقة. وكانت تعيش في عالم طامح الى التطور أكثر بعد أن حققت إنجازات جمة على صعيد تطوير الاقتصاد والاستقرار الاجتماعي ونجحت في بناء سلامها على مر السنين بعد ما عانته في الحرب العالمية الثانية.
استطعت أن اكوّن انطباعا خلال رحلات العمل المتكررة الى المدن الاوروبية والاطلاع على الاجراءات المتخذة على صعيد الاتحاد الاوروبي والسياسات الطامحة الى التوصل الى مصادر طاقة نظيفة وخفض الانبعاث الحراري والعمل على حبس ثاني اوكسيد الكاربونCO2 Capture، بأن الاحلام الاوروبية تتحقق فعلاً.
كنت أشعر أن اوروبا الحالمة قد تخطت عقد النزاعات على اختلافها وباتت تنعم باستقرار على صعيد الامن الاجتماعي والأمن الطاقوي.
وباتت شركات الطاقة فيها والتي تعمل على صعيد عالمي واسع تتحضر لمرحلة الانتقال الى الطاقة النظيفة.
وعلى الرغم من جائحة كورونا التي ارخت بظلها على استثمارات هذه الشركات ودفعتها الى تخفيض استثماراتها في أنشطة البحث عن مصادر الطاقة، بدأت منذ فترة تستعيد نشاطها ودخلت في مرحلة التعافي من آثار الجائحة.
وفجأة وقعت الكارثة، وانقلبت جميع المقاييس وعادت اوروبا بفعل الحرب الدائرة في اوكرانيا تستذكر مرحلة الحرب العالمية الثانية وتهرع الى مد اوكرانيا بالسلاح والى تخصيص موازنات ضخمة من أجل إعادة التسلح وبناء جيوش قوية من أجل مواجهة “الخطر الروسي” في حين أن روسيا تشكل ٤٠% من مصادر الطاقة بالنسبة الى اوروبا. كما ذهبت الى تطبيق عقوبات قاسية على الاتحاد الروسي من شأنها أن تؤثر بشكل مباشر على اعتماد القارة الاوروبية على الغاز الروسي بشكل اساسي.
مما لا شك فيه أن الحرب في اوكرانيا قلبت موازين متعددة ليس فقط في ما يتعلق بمصادر الطاقة بل في ما يتعلق بالتعاملات المصرفية بفعل العقوبات المفروضة على روسيا.
وعلى الرغم من إقصاء روسيا عن نظام SWlFT المصرفي إنما أبقت آلية فرض هذه العقوبات استثناءات لبعض المصارف الروسية وأهم هذه الاستثناءات استثناء مصرف “غازبروم” الروسي منها. إذ تبين أن التحويلات المالية لثمن الغاز المستورد من روسيا عبر الانابيب يسدد عبر هذا المصرف.
حتى أن العقوبات المفروضة على روسيا لم تطاول حتى الآن مصادر الطاقة المستوردة منها.
ولكن يبقى السؤال الاساس والمتجلي بكيفية حفظ اوروبا لأمنها الطاقوي في حال طالت العقوبات مصادر الطاقة الروسية المنقولة إليها بالانابيب؟ هل تستطيع اوروبا التخلي عن هذه المصادر والاتجاه الى استيراد الغاز الاميركي بناقلات ضخمة والمتخصصة بِنقل الغاز الطبيعي المسال LNG؟
هذا الامر في حال حصوله سيضع اوروبا في مأزق كبير لأن الحصول على الغاز الطبيعي بهذه الوسيلة ستكون كلفته مرتفعة جدا ويحتاج الى بناء محطات لاستقباله وتوزيعه وهذه المحطات يقتضي بناؤها على السواحل لاستقبال السفن ناقلة الغاز المسال.
من ناحية أخرى لم تبدِ الدول الاخرى المصدرة للغاز الطبيعي رغبتها في مد اوروبا بالغاز واكتفت باتخاذ موقف محايد مما يجري من أحداث في شرق القارة الاروبية.
وفي النهاية لا بد من التذكير بأن خطط الانتقال الى الطاقة البديلة قد تتعثر بشكل جدي في حال باتت اوروبا في مأزق متوقع في حصولها على الغاز الطبيعي من روسيا.
