سابع يوم، رقص على جراح النساء

Views: 42

نسرين رجب

  يؤدي في مسرحية “سابع يوم” تسعة مشاركين/ات: (ناهلة سلامة، أنطوانيت الحلو، جنين جابر،جوزف خليل، سيلين سعد، قمر الحسيني، كارمن جابر، ناجي بوسمرا، نور دياب) هم خريجي الدفعة الخامسة عشر من مسرح شغل بيت، بإشراف المخرج شادي الهبر ومايا سبعلي، تمّ العرض على مسرح مونو في الخامس من شهر آذار 2022.  وأتى العرض كنتيجة لعدة أشهر من التدريب وهو العرض الأوّل لهم في التمثيل على خشبة المسرح.

لا تتفاعل الشخصيّات لا نصيًّا ولا جسديًا مع بعضها إلّا في مقاطع مستقطعة تمهيدًا لشخصيّة كل منهم، يتّكئ العرض المسرحي على الحكي الخطابي المباشر، وهو أشبه بالتفريغ النفسي لمكبوتات الطفولة وأزمات العمر، تتنوع الشخصيات تنوُع التجارب، عبّر المؤدّون من خلال نصوص ذاتية المحتوى عن صراعتهم من دون تابوهات ترجمه: الشاب الذي حُرم من اللعب وكان شاهدًا على عنف وانفصال الأهل وما خلقه ذلك من نكوص نفسي ومشاعر متأزّمة.  وكذلك الرجل الذي يواجه ذكريات الحرب في صورة قليلا ما تظهر فيها شخصيّة الرجل الهشّة اتجاه العمر والشيب واتجاه الحرب التي تحمل أثار تشرذُم جيل بعد جيل..  كان لافتًا طغيان موضوعات النسوية ومكرّراتها؛  المثليّة عبر شخصيّة الشابة المسترجلة في حركاتها، اقتحمت مقولها بعض الألفاظ السوقية والتي سيكون النص بغنًى عنها لو لم تتلفظ بها الشخصية، والتي تنكمش على نفسها في حالة خضوع وخوف في ختام المشهد وهي تروي حادثة التحرش وتفضيلها صحبة “الكلاب” على “مساطر الرجال” الذي مروا في حياتها. والمرأة الوحيدة الهستيريّة في عرض لا مبالاتها اتجاه الوحدة والهجران. (Diazepam) وأسئلة سن الزواج وضغط المجتمع واكتشاف الخيانة الزوجية بعد موت الزوج. تبلوَر غيرة المرأة وشعورها التام بالغد،  الخوف من الفقدان ومواجهة خسارة الأحبة، الخوف من المشاعر والانعزالية الباردة.

 

تقف ناهلة سلامة متوسطة المسرح بثوبها الأسود القصير وهو اللون الطاغي في العرض،  ربما في إشارة إلى أن الشخصيّات في حالة حداد على أنفسهم. وبلغة جريئة تخترق تابو العائلة، وتتناول موضوع زنا الأقارب. ومأزم التحرش ضمن العائلة على الشخصيّة، لوم الضحية “حتى لو كان عمرا ست سنين” كما تقول عندما نبهتها والدتها من عدم السماح للرجل المتحرش والقريب لها بأن يتمادى في حركاته معها، فيما لم تواجه المتحرِّش الذكر البالغ الجالس في بيتها! لا يمكن أن يمرّ هذا النص بسلام فهو يُظهر الكثير من الأخطاء التي تمر في التربية من دون محاولة تصويبها عن إهمال أو جهل من قبل الأهل، صورة الأب الغائبة والأم العاملة والتي تتعامل مع المشكلات على قاعدة الصمت والخوف، خوف الأم من الفضيحة إذا تحدثت البنت عن ما تعرضت له، وغياب حسّ الأمان العائلي بل انعدامه في أكثر الأماكن تواجدًا فيه، عدم الشعور بالحب وبروز الحاجة للعطف والأمان، غياب صورة الرجل السند ظهر عندما قالت لها الأم “ليش ما خبرتي خيك” ضحكة الشخصية الهازئة في ختام المشهد كافية لتدل على أنّ الأخ لم يكن أهلا للحماية، عن العذرية وصورة الجسد المشوّهة كونه جاذب الخطايا في ذهن الشخصية الطفلة والشابة والفاقدة لحسّ الاتصال بجسدها الإنساني والتي تعايش مقاومةً نفسيّة تمثّلت في علاقاتٍ عاطفية متأزّمة ترجمتها ناهلة في وقوفها الجامد والمتحدي، حيث لم تتحرك جيئة وذهابًا على الخشبة إلا حينما دخلت المسرح خالعة حذائها الكعب العالي، وحين غادرته وهي تحمل الحذاء في مشية أنثوية مغوية مصاحبة لموسيقى تحمل حسّ الغواية، وصوتها الذي يحمل نبرة التنديد والصارخ في وجه التجربة الموحشة.

ما يؤخذ على العمل الإخراجي قصر المشاهد الذي حال في بعض الأحيان من وضوح فكرة بعض النصوص، وكان لأثر فقدان لحمة التفاعل بين الشخصيّات بصمته الغائرة التي تماهت مع ديكور الأسود والأبيض في الخلفية، إلّا في مشهد واحد ضمّ شخصيتين تواجهان الترقب ومتاعب العيش وتبعث نظراتهما الحيْرة على الحذر مع غياب عنصر التفاعل البصري بين الشخصيّات حتى في اجتماعها، وكأنه يحمل سمة الهيمان على غير وجهة.  والتي جعلت العرض غارقًا في الدراميّة السالبة، تترابط أجزاءها في فكرة الصراع النفسي، صاحب العرض المسرحي رقصات على أغنية صاخبة ورائجة لشخصيات النساء المُتعَبة والمتألِمة في بوح التجربة وفضح المسكوت.. وفي مشهديّة الرقص وحدها تجتمع النساء ليرقصن معًا، ربما ذلك يحمل دلالة الشراكة في الخيبة والبحث عن التعويض في لغة الجسد التي تمثل إيحاء صارخًا بطلب النجدة والرغبة في الانطلاق خارج تجربة الألم.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *