بشارة الخوري وسبيرز وعمر الزعني

سليمان بختي

يروي الرئيس بشارة الخوري (1890-1964) في كتابه “حقائق لبنانية” أن الجنرال سبيرز جاء إلى لبنان جاهلا أحوال البلاد وأهلها. ولكنه شيئا فشيئا تمرس وأصبح خبيرا في شؤونها وشجونها.

ولكن سلام الراسي (1911-2003) في كتابه “قال المثل” ونقلا عن رجل الأعمال إميل البستاني قال إن الجنرال سبيرز وقبل قدومه إلى بلادنا قام بزيارة الدكتور فارس نمر اللبناني أحد أصحاب جريدة “المقطم” المصرية واستشاره بشأن تعامله وتعاونه مع رجال السياسة في لبنان، فزوده نمر ببعض الأمثلة التي تساعده وتسعفه في فهم السياسة والسياسيين في لبنان. وهذه الأمثلة هي ثلاثة:

– مين أخذ إمي صار عمي.

– شراء العبد ولا تربيته.

– ما يُقضى بالمال يُقضى بالحال.

ثلاثة امثال لا تصنع كرامة ولا سيادة ولا استقلالا ولا حرية ولا وطن ولا دولة. يتغير الولاء في لحظات، أما العمالة فجاهزة في كل وقت، ودور المال حاضر ناضر في قضاء الحاجات وعلى الفور.

هل تغير شيء منذ ثمانين سنة؟ لا، بل أن الوقاحة والبجاحة والدناءة زادت آلاف المرات حتى أصبحنا البلد الأكثر بؤسا وفقرا في العالم “عفوا قبل زيمبابواي”.

 كتب الجنرال سبيرز الى فارس نمرا شاكرا نصيحته وأمثاله الفعالة وزاد “لقد أصبحت علامة فهامة في الأمثال اللبنانية”.

قصة ثانية بطلها الشاعر عمر الزعني (1895-1961) الذي لقب بشاعر الشعب المتألم الذي كان ينتقد السلطة كما يليق بمثقف حقيقي.

على أيام الرئيس شارل دباس (1885-1935) كتب عمر الزعني أغنية “بدنا بحرية يا ريس/ والبحر كبير يا ريس/وبحرية حمير يا ريس/ وشكلك صورة يا ريس”. ودخل الى السجن في زمن الانتداب.

وفي زمن الإستقلال عام 1949 قدم أغنيته “جددلو ولا تفزع خلي قاعد ومريح/ بيضل اسلم من غيره/ وأضمن للعهد وأنفع”. ودخل على إثرها إلى سجن الرمل لمدة 45 يوما وقال :”إللي ما خاف من الانتداب ما بيخاف من الأذناب”.

 أصيب بداء السكري في السجن وقام بعض الأصدقاء والأقارب بالاتصال بدولة الرئيس رياض الصلح (1894-1951) للعمل على إطلاق سراحه وإصدار عفو خاص به، وهكذا كان.

 ولكن طلب الرئيس رياض الصلح ان يلتقي الزعني في السرايا قبل أن يذهب الى منزله. وعندما التقاه الرئيس الصلح بادره:” شو يا عمر بدك تضل هيك”، فأجابه عمر الزعني بلهجته البيروتية على الفور: “طالما أنتو هيك يا بيك أني هيك”.

وأدار ظهره ومشى إلى بيته حرا أكثر من كل الحكام.