سجلوا عندكم

سيف الرحبي في “النور المنبعث من نبوءة الغراب أوراق 2020″… شهادة كبرى في زمن الجائحة

Views: 511

سليمان بختي

يكتب الشاعر العماني سيف الرحبي شهادته في زمن الكورونا في كتابه “في النور المنبعث من نبوءة الغراب أوراق 2020” (الصادر عن منشورات الجمل في 176 صفحة ) بشهادة على الذات والمكان والآخر والعالم.

 تسيل في كتابه مناخات الكورونا المحملة بالخوف والهلع والعزلة وطرح أسئلة الوجود الكبرى في الأعماق المذعورة.

حتى مدينته التي يعرفها والتي لا يعرفها ليست إلا “بوابة الذاكرة لمدن العالم المختلفة المهجورة والمضروبة بالزلزال”.

يستنفر الرحبي ذاكرته مقارنا الواقع مع الأعمال الأدبية أو السينمائية أو المسرحية العبثية زمن يونسكو وبيكت وكامو. ويجد أن ما نحن أقرب إليه هو رهاب سكان المدينة الرمزية في مسرحية ” الخرتيت” ليونسكو.

 

ينظر إلى المنازل والديار يفتح النافذة ويسمع صوت المؤذن يتهدج مجروحا “يا الله نسألك مسألة المساكين/ ونتضرع إليك تضرع المساكين”.

كل حركة، كل نأمة تدعوه إلى تأملات في الوجود وماوراءه والتاريخ والذاكرة القلقة للبشرية.

هل يذهب إلى الكتب؟ أم إلى الحديقة؟ أم إلى شاشة الأفلام؟ يقلق من غياب الأحلام في مناماته، وهل جفاف الأحلام يشبه جفاف منابع الكتابة؟

تحمله شجرة الفجر إلى وصف جميل لطبيعة عُمان وأوديتها ومجراتها المتناسلة في عرين الأزل. يكتشف وحشية الجمال وفتنته وغموضه وأسراره وإحتمالاته المفتوحة. يرى شجر النخل يخبط “سطوح الجبال والواحات كنذير قيامة أو عزاء آخرة”. وكيف يصبح انبلاج الفجر مترادفا مع انبلاج فجر الحقيقة المرجأ دوما.

 ولكن ماذا يحدث على صعيد الطروحات والتحليلات وتداخل الجائحة بالسياسة وإضعاف دول وإختفاء دول وإستمرار سيطرة دول؟

وهل يمكن للإنسان أن يلجأ إلى الطبيعة كفرار وملاذ من كلفة التقنية والتقدم على الروح كما شرحها الروائي الإنكليزي توماس هاردي؟

يسترجع سيف الرحبي أخطاء البشر مثلا حين أمر ماوتسي تونغ بقتل عصافير الدوري فأتى الجراد وأكل المحاصيل وعانت الصين واحدة من أكبر مجاعات التاريخ.

 البيت نقطة مركزية ويقظة دائمة في زمن جائحة كورونا ويوميات التعامل مع الليالي والأحلام البيتوتية”.

ماذا يحدث؟ هل الطبيعة تحاول تصحيح نفسها؟ وبحسب الفيلسوف فخته لا يمكنك إزالة حبة رمل دون تغيير شيء في أجزاء الكل. وهذا صحيح قياسا على وصف المتصوفة الكون بالإنسان الكبير.

يحاول سيف الرحبي أن يجد تفسيرا كينونيا لما يحدث؟ ويصل أخيرا بعد إدانة البشر بأنهم المخلوقات الوحيدة التي تدعي أن لها إلها وتتصرف كأنما ليس هناك إله. إذن،” الخوف وحده هو البطل الأسطوري لهذه الحلبة الكونية المضرجة بالهلع والدماء”.

يهب عليه مقطع غنائي لمحمود درويش “قمر على بعلبك/ ودم على بيروت/ يا حلو من صبك/ فرسا من الياقوت/”. أو يتذكر أناشيد مالدرو باحثا فيها عن الأمل وعن اليأس. أو ما اعتقده بعض الفراعنة بأن هذا العالم خلقته ضحكة وأن مصيره الجماعي سيكون مهيبا.

 

ولأن العزلة تظهر نقيضها يتذكر المقاهي الغائبة خلف ضباب الذاكرة والأيام وعلامات الأمكنة وروحها والمحتشدة بالوجوه والأرواح. ويسبر غور المناطق بمعانيها والدلالات ومن الذاكرة وعلى الأرض.

وينتبه سيف الرحبي إلى أن البشر في الأزمات والمحن يبتكرون أساليب المواجهة والبقاء وإلى جانب المختبرات العلمية والبحث العلمي هناك أيضا مختبرات الضحك والسخرية المتدفقة من كل مسرب. ورغم ذلك تمضي الحياة في زمن الكورونا بين سهم الموت وسهم الحياة ولكن من يتحمل التجوال في مدينة هجرها البشر والآلهة. أو حتى “أرياف موحشة وقرى محمولة على عواء جريح”.

 ولكن كيف يمكن أن ينهي الكاتب كل هذه المواجهات محاولا القول:” إفتحي خزائنك أيتها الأرض”. لعلها في تلك الخزائن تجد الخلاص. أو يصبح الطائر مثل الشاعر مثل الإنسان الضائع وسط التيه والصحراء والغبار  يلتفت يمينا ويسارا ويلهج بالموت والحنين.

وأخيرا، كتاب “في النور المنبعث من نبوءة الغراب-أوراق 2020” لسيف الرحبي يحمل الصدق والمواجهة العميقة للإنسان مع القدر وقوى الطبيعة حتى يخرج النور من شق القلم مضيئا ومبدعا.

       

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *