الوقت و… “آكِلُه”

Views: 225

أنطوان يزبك

 

الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك (الإمام علي بن أبي طالب)

 

يصعب  تفسير الوقت والزمان وكرار الساعات والتدقيق في خصائصه ومجرياته،ساعة زائدة أو ساعة ناقصة، والبشر ينقصهم عقل كما ينقصهم دين وفي همومهم اليومية شؤون وشجون، ووقت يزحف عليهم كما العتمة في آخر النهار؛ ولا أدري من قال إن الوقت يضيع ولا يضيّع ذاته أو بالأحرى كينونته أو سريرته وعلى العموم حالة الوقت ولزوجته حالة هشّة كسلك النور الخارج من ثقب إلى غرفة معتمة..

والوقت بالنسبة إلى كثر هو مثل حارس دار الموتى أو عزرائيل قابض الأرواح، يخافونه مثل كابوس ويتعايشون معه مثل ربّ عمل غليظ ومرهوب الجانب يرتعدون من منظره ولا يتجاسرون على  الانقلاب عليه …

وبطريقة حكميّة أكثر نقرأ هذا التحديد :

ثلاثة أمور لا تضيّع بها وقتك: التحسّر على ما فاتك لأنه لن يعود أبدا فالذي فات مات… ومقارنة نفسك بغيرك لأنه لن يفيد، فأنت أنت وغيرك هو هو ولا طائل بينكما .. ومحاولة ارضاء الناس لأن ذلك من سابع المستحيلات….

والاجدى أن لا نضيّع الوقت في أعمال لا جدوى منها ؛ بل أن نجزي الوقت بكل ما من شأنه أن يؤدّي إلى خير الناس والبشرية ..

من  يحاول أن يقيس الوقت على عمر الأرض فلن يصل إلى نتيجة،  يقول العالم الكبير تشارلز داروين صاحب نظرية النشوء والارتقاء: “الانسان الذي يجرؤ على إضاعة حتى ساعة واحدة  من حياته لم يفهم ابدا قيمة الحياة…” 

في فيلم الرعب والتشويق (الرحلة الضائعة ) لـ ستيفن كينغ، يصوّر لنا مغامرات طائرة ركاب تحط في مطار ناء وسط غابة استوائية،ليدرك القبطان والركاب أنّهم خارج الزمن، فالمطار مهجور والساعات في الردهات والقاعات متوقفة ومحطمة وكل ما في الامكنة، يشي بأن الزمن والوقت لا يسكنان في تلك البقعة المجهولة من العالم، والخطر الأكبر لا يزال رابضا، إذ  يبدأ التشويق والرعب حين تأخذ الأرضية بالتشقق والانهيار بفعل زلازل وتصدعات، لأن وبحسب احد المسافرين المطلعين: “خارج الزمن لا يوجد وجود ولا كينونة بحدّ ذاتها”.

وعلى الأثر يهرع الركاب والقبطان ليقلعوا بالطائرة لعلهم يفرّون من فخ اللازمن واللاتوقيت فمن دون الوقت لا وجود ولا ارتكاز (زمكانية،زمن – مكان ) بل زوال وخواء وانحلال وعدم .. وتاليا فناء ولا وجود.

اما في ما يخصّ هؤلاء الذين يضيعون أوقاتهم في المرح والهاء الآخرين عن عملهم المنتج فما اكثرهم وهم في كل مكان وزمان. تراهم وتعرفهم من علامات فارقة ونافرة سافرة كما أصحاب العلامات في نهايات الأزمنة حين تقرع الطبول وتصفر المزامير وتطرطق الصنوج، جماعات من أصحاب الملابس الفاخرة الانيقة جلّهم من الذين تبدو اسارير الراحة النفسية بادية على وجوههم،والشعر الذي يكسو اعالي رؤوسهم مصفف بعناية ومدهون بزيت عطري نادر  ومظاهرهم العابقة بالفخامة والجمال والرونق، تظهر في لحظة أفول النهار، وبعيدا عن كل التوقعات يصورون لك الحقائق الناصعة وما  هم سوى أولئك الذين تنعموا بروح سيدهم (لوسيفروس )،الذي،وبحسب الرواية التوراتية،كان الاخ الاكبر لرئيس الملائكة ميخائيل،وبعدما عصا أوامر الرب،كان مصيره جهنم،مربط خيله،اي قعر الكرة الأرضية،ولما عاد هذا الاخير،وجد أن (ابناء آدم) زادوا امعانا في الخطيئة،بدل ان يصغوا الى كلمة الخالق، ويتحلوا بالفضائل…

هذا الكائن الرهيب وجد، في غمرة الزمن وفي توقيت محدد سلفا، ان  الوقت مناسب ، وعاد ليستمدّ من ابناء آدم القوة وقرر الخروج من قعر الارض،ليطفو على وجه البسيطة،كما تجاوب معه،(اولاد آدم) السالف ذكرهم،وهم  من هرعوا وتراكضوا من أجل التواصل معه حتى يستعيد مكانته ويتسيّد على العالم مرة أخرى،بعد ان كان هو في وقت سابق  السيّد المطلق ،بأمر من خالقه،قبل أخيه ميخائيل،وبخاصة أن (انتيناته ) بدت مركزة على تشعّبات و محطات إرسال واستقبال كهرومغناطيسية متطورة وادمغة الكترونية مستقبلية مع روابط ولواقط  فيها الكثير من الخطط التخريبيّة !!.

مع الاسف  المنطق الذي هو سلاح الضعيف في وجه الجهل والذل والمهانة، يقف  الآن إلى جانب الاقوى وسبل التغيير باتت صعبة. والاقوى، هو كل من سخّر عقله اي كل الطاقة التي يمتلكها في عالمه المسحور  ،حتى يبلغ المدى الاقصى الذي يمكن ان يبلغه!!

فما بالكم يا قوم،اذا كان هذا الاخير (جوقة ) مثل جوقة الشياطين التي كانت تسكن في رجل واخرجها المسيح  وادخلها الخنازير  التي تساقطت من أعلى أعالي الجرف وهلكت عن بكرة ابيها ..

في كتاب ما بعد الخير والشرّ للفيلسوف فريدريك نيتشة،مثال رائع يخبر عن الهوّة التي في حال اكثرنا التحديق بها ؛ عادت وحدقت هي بنا .

ولعمري كم وكم هناك من يحدق بنا الآن من هؤلاء حفاري الهوات ومسببي الأهوال، فقد صرنا مشهدا للناس كما يقول مار بولس،يتلذذون بالتحديق في ثيابنا الممزقة الرثة ثياب بهلوان السيرك وحمرتها الداكنة التي ليست اصباغ قماش بل بقايا  دماء جافة !!

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *