إبراهيم كوثراني: سيرة نعيم بربر تاريخٌ يُسجّل وأمثولةٌ تُدرّس

Views: 570

د. محمد نعيم بربر

 

*إلى روح والدي (أبي محمد نعيم بربر) رحمه الله، وطيّب ثراه.

 

خمسونَ سنةً مضت، وما زالت ذكراكَ يا أبي تفُوح بالعطر والطّيب كأزهار الربيع وأشجار الصنوبر.. في مثل هذا اليوم من ربيع عام 1972م، وقف الكبار في يوم ذكرى مرور أسبوع على وفاتك رحِمكَ الله وطَيّبَ ثراك، لكي يتحدثوا عنك ويستذكروا مآثرك وسجاياك أمام الحشود الغفيرة من أصدقائك ومحبّيك وعارفيك و أبناء بلدتك الأوفياء، وأبناء بلدات الجوار الكرام.. كان بين هؤلاء المُتَحدّثين الكبار سماحة الإمام السيد موسى الصدر، شاعر لبنان الكبير الأستاذ سعيد عقل، سيادة المطران أندره حداد، الأستاذ الدكتور إبراهيم كوثراني، المُربيّ الأستاذ حسين الحاج، المحامي الأستاذ يحيى وردة، الشيخ الفاضل الأستاذ محمد نجيب زهر الدين. إنني أودُّ اليوم تكريمًا لذكراكَ يا أبي رحمك الله، أن يُشاركني الأصدقاءُ والمُحبّون والأهل في الإستماع إلى كلمة الراحل المرحوم الدكتور إبراهيم كوثراني مُسجّلة بصوته، ومحرّرة كتابةً أيضًا، على أن يسعفني الله بإذنه تعالى، لتقديم باقي الكلمات الخالدة للمشاركين الكبار في حفل التأبين المذكور على صفحتي من وقت لآخر، وبذات الطريقة.

المدير العام الأسبق للضمان الإجتماعي د. إبراهيم كوثراني

 

كلمة كوثراني

هنا كلمة المدير العام الأسبق للضمان الإجتماعي المرحوم الدكتور إبراهيم كوثراني، في حفل التأبين في قاعة النادي الحسيني ببلدة جون بتاريخ 25/ 3/ 1972.

أيّها الحفل الكريم

 حقيقةُ الموت مفهومٌ لحقيقة الحياة وعبرةٌ وحكمةٌ لمفهوم الوجود ووجودٌ لنهاية مادة عنوانها الزوال، وتخليدٌ للروح في معبد الأزل والبقاء الدائم، عنوانها الخلود المقدّس. ليس الموتُ بحرًا يغرق في جوفه الماضي، ولا أمواجًا تحطّم البقاء على خلود استمراريتها الدّائمة ولا شمسًا محرقة تحوّل العمر والأيام تحت لمسات لهيبها إلى أثير خارق، وليس نهاية لفناء وفناء لعمل وجهاد، بل هو نقطةُ تَحوِّل من حالة الى حالة ومن عالم الى عالم. لم تفنَ ففناؤك ينبتُ وينمو في جوف الوجود ليحيا في شرايين الحياة متغذيًا من روح التَّجَارِب وتعاليم القدر ومن عطايا النفس والذات المؤمنة بالحق والفضيلة والقيم. فأنت أيّها الراحل تحيا عند فنائك وتعيش عند مماتك وبك صدق القائل:

 “لا تَبْكِهِ، فاليوم بَدْءُ حياته إنّ الشّهيدَ يعيشُ يوم مماتِهِ. أنت تُولَد عَبْر كلّ كلمة تحمل معاني الكرامة والتضحية، وتتفجّر بالوفاء والإبَاء. لنْ تنتهي لا، ستظلّ النهاية على قربان خلودك فتجسّد الأزل على متاهات التاريخ وتجرّد الذات من معتق الغفران المُحاك بشرنقة الإله، التي تغزل على منوال الوجود. أنت فلسفة ذاتك وتقييم لتركيب نفسيتك، أنت تنساب من أعين الوجود كالذي يمرّ عبر نفسه إلى ذاته، وتضيف صفحة مشرقة من صفحات الكون يكتب التاريخ سطورها فتتجمّع الحروف التي تنزل إلى التاريخ فيُردّدك الزمن لأنّك كتبتَ صفحتكَ بيَراع المحبّة والإخلاص والوفاء والعمل الدّائم في سبيل بناء أسرة، ومجتمع صالح.

رحمك الله يا أبا محمد في حياتك الأبديّة بين الأبرار والصّديقين، فكنتَ شُعلةً من ضياء أنارت حولها دروب العمل والكفاح الإنساني بأشعةٍ مختلفة، كلّ لون فيها رمزٌ لمزاياك الإنسانية الكاملة: الإيمان بالمبدإ ، الوفاء في الصداقة ومحبّة الآخرين. كم من الرّجال نفقد في سيرنا الطويل على طريق البر ويبقى لنا منهم سيرةٌ تُحكى وعبرٌ تُروى. فسيرتك يا أخي نعيم تاريخٌ يُسجّل وأمثولةٌ تُدرّس. إنها سيرة رجل طيّب من هذا الشعب الوفيّ الذي دخل قلوب أصدقائه وعارفيه بالمحبة والإخلاص وحسن الأخلاق والإيمان. وكان في مجتمعه موضعَ احترام رجال الدين وقادة الفكر والاجتماع. ماذا أقولُ وماذا أحدّثُ عنك كنتُ أعشق حديثه ومجالسته وأنتظر لقاءه بشوقٍ وشغف. كان لطيف المعشر جاهز البديهة يُدخل السرور إلى قلوب جالسيه، لا تعرف الهموم والمشاكل إليه سبيلاً. جُلّ غايته إسعاد عائلته وخدمة مجتمعه. لم يكن طامعًا في مادة الحياة ولم يكن وصوليًّا يبني سعادته على شقاء الآخرين، بل كان عصاميًّا طامعًا في إنسانيّة الحياة، وسعادته في سرور الآخرين.

رحمك الله، فقد تركتَ بيننا أسرة عريقة وشبانًا يسيرون على طريق هدايتك نَفْخَرُ بهم وبأخلاقهم. إنهم تجسيدٌ لجوهر محتواك وخصال نفسك الطاهرة وصدى ترانيم صلاتك التي ترددها رؤوس المعابد، كأنها أوتارٌ شدّت إلى الكون، ففي جنّات الخُلد يا أبا محمد.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *