“نسوان من لبنان” لاسكندر رياشي تقديم لقمان سليم … الانتباه لما أهمله التاريخ

Views: 159

سليمان بختي

ربما يمكننا أن نصف إسكندر رياشي بكل ألوان تناقضات الكلام. يعني: جريء ومتهور، صحافي وكاتب تقارير، وقح وخبير، واعظ وماجن. ولكن لا يمكننا سوى أن نقدّر قلمه وسرديته ومعرفته العميقة ببواطن الأمور في البيت اللبناني.

في كتابه” نسوان من لبنان” (دار الجديد، 370 صفحة مع مقدمة موسعة من لقمان سليم) يأخذنا الرياشي  في رحلة غريبة قصة إثر قصة، حقيقية وخيالية في آن، مبالغة و”تفشيط”، ولكنها مقنعة في دقائقها، وجذابة ماتعة في أسلوبها وهو يصف كتابه بالقول:”عظات سياسية واجتماعية غير متحلية بحكايات  ومغامرات غرام صاخبة يأتي فيها الكثير من تاريخ لبنان الحديث بين طوايا فراش الحب”. سمك ، لبن ، تمر هندي، وهات خبرنا. 

ولد اسكندر رياشي في الخنشارة عام 1890. في العشرينات من عمره سافر إلى أميركا وأسس جريدة “الوطن الجديد” في نيويورك. فجأة وبعد ثلاث سنوات عاد إلى لبنان مراسلا  لجريدة “الطان “الفرنسية. ثم أسس جريدة “البردوني” في زحلة.

التحق بوظيفة مستشار للحاكم الفرنسي في البقاع زمن الإنتداب. بعدها أسس جريدة “الصحافي التائه” ولاحقا أصبح نقيبا للصحافة اللبنانية بين 1947 و 1950.

له عدة مؤلفات منها:” قبل وبعد- رؤساء لبنان كما عرفتهم” و”الأيام اللبنانية” و”نعيش مع الألهة “(بالفرنسية) و”أهل الغرام” و”مجانين ومجنونات الحب” وغيرها.

تزوج من ماري قهوجي عام 1920 وأنجب سبعة أولاد.

عام 1960 استحصل على رخصة مطبوعة أسبوعية بعنوان “الأربعون حرامي” (ولم يُصدر منها عددا).

توفى عام 1961 ودفن في الخنشارة. 

 

يتساءل المرء بعد قراءة مقدمة لقمان سليم القيمة والتي تضع إطارا فعالا للعمل وقد عنونها سليم “عن لبنان وشفعائه الشياطين – الباطل يحرركم”. ولكن ما الذي جذب لقمان سليم إلى إسكندر رياشي؟ هل هو يأس سليم من التردي اللبناني؟ أم هي جرأة الرياشي وخفته وعبثيته؟ أم معرفته ببواطن السياسة والاجتماع في المجتمع اللبناني؟ أم أسلوبه وموقفه من الأشياء؟

مقدمة سليم هي خلاصة بحثه عن أعمال إسكندر الرياشي ومساره وكتاباته وتأطير للزمن الاجتماعي والسياسي الذي اشتغل الرياشي فيه.

والكاتب لا يهمه ولا يتوقف لحظة عن مزج الحكاية بالغرام بالصخب. وكل ذلك بأسلوب جذاب ومشوق ولذيذ. وهو تارة في الأدب وتارة في اللاأدب. أو على ما يقول سليم في مقدمته:” ومن يطالع أدب الرياشي و”قلة أدبه”، وسيرته، على ما دونها بنفسه، لا يعتم أن يستدل، ثم أن يتثبت، أن هذا الحق التكويني هو مستنده في استخفافه بكثير من أقداسنا”.

يلملم الرياشي حكاياته بروح باحثة عن الأسرار والخفايا، والذي يقال ولا يقال، للبوح بها ولتوريط نفسه والآخرين.وتجد في كتاباته الهوامش والنوافل والنصائح والقصص التي لا يعيرها التاريخ انتباهه ماضيا صوب القضايا الكبرى ولكن من تحت التحت.

يتعهد إسكندر الرياشي برواية ما أهمله التاريخ وهو حقيقي وأساسي وخفي أحيانا. وكل قصة من قصصه تحمل رسالة أبعد من مضامينها.

قصة “صانعة المستشار” مثلا تفضح الفساد والفاسدين الكبار من حكام الانتداب الفرنسي. ونرى الهدايا والرشاوى والسمسرات وفي الوقت نفسه يصف علاقته الحميمة بصانعة المستشار. ومن يدفع يصبح نائبا يصبح متنفذا أو كبير قومه. واللبنانيون أساتذة في الفساد والإفساد.

يروي عن غزواته في فرنسا وألمانيا ويرويها لك وحدك مثل صاحبك العائد من بلاد الغرب بعد أن “عمل العمايل”. أو على طريقته يقول: “لهذا هن متساهلات جدا، ولا يدعن الفرص تفوت، ولا يتركن اللهو يموت..”.او مفاجآته في قصة ” المرأة تتفرج على النسوان”.

إسكندر الرياشي لا يتوقف عن التحديات في كتابه وكلما أقفل بابا فتح بابا ساخرا فاضحا عاريا.

لعل ما قاله أنسي الحاج عنه يصيب عين الحقيقة:”إسكندر رياشي لا يتمسخر، بل يضع حاله على الورق. إباحته لذاته هي المصدر. والسخرية فرع من المصدر. طرافته أنه يتعرى أمامك بالكامل ويتحداك أن تجاريه. لم يجاره أحد من اهل الصحافة ولا من أهل الأدب”. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *